رحل عن عالمنا هذا الأسبوع الأستاذ الدكتور فايز فايق بطرس، عميد معهد القلب السابق وطبيب القلب الأشهر، إحدى العلامات الفارقة فى تاريخ طب القلب فى مصر. لكن مثله لا يرحلون بما نعرف من معنى، إذ إنهم إذا غابوا بقيت منهم تلك السيرة العطرة التى تسطع معلنة عن تاريخ كالنقش على الحجر لا يمحيه زمن ولا تطمسه أيام.
خلف فايز فايق الأستاذ الدكتور أول مدير لمعهد القلب القومى وجراح القلب العلم. كانوا معا رفقة زمن جميل وصحبة هدف ورسالة ضمت أسماء قد لا تضيف إليها الألقاب بريقا وإن انسحبت ظل بهاؤها لا تخطئه العيون: مصطفى النحاس صاحب السبق فى إجراء أول قسطرة قلبية أجراها بنفسه لنفسه، وأول من انشأ غرفة رعاية مركزة فى مصر. عوض إبراهيم الذى ذاع صيته فى التشخيص والعلاج حتى غدا طبيب المشاهير، يوسف رياض العالم الإنسان الذى على يديه تتلمذ الكثيرون وأنشأ أول عيادة فى مصر لقلب الأطفال، سامية عبدالفتاح أول من خدر مريضا لعملية قلب مفتوح، ثم ليلى درهوس التى اهتمت بالتعقيم المركزى ومكافحة العدوى ثم زينة نجار طبيبة التخدير التى زاملت سامية عبدالفتاح وكانت رمزا للتفانى فى متابعة المرضى، معهم أيقونة الجراحة والعلم الذى سهل لنا صعوبات العلوم الأساسية وقت أن كان الكتاب هو المرجع الوحيد: فؤاد جمالى.
تلك الصحبة الرائعة من ذوى الهمم وأصحاب الرسالات ضمت فايز فايق وكانت البداية الحقيقية لأول منظومة علمية خدمية تضع الأساس لجراحة وطب القلب فى بلادى، لذا فهى فى وجدانى دائما: القومى معهد القلب.
تسلم فايز فايق إدارة معهد القلب القومى عام ١٩٨٧ ولمدة خمس سنوات انتهت ١٩٩٣ فترة من أنجح فترات الإدارة وأكثرها ثباتا، استطاع فيها وبحكمة الربَّان الماهر أن يقود سفينته بصبر ودراية وتجربة فى مواجهة أنواء عديدة متوقعة فى بدايات كل مشروع بذلك الحجم الضخم من التحديات.
كان اهتمامه عظيما بضرورة استكمال المبنى الجديد للمعهد بأقسامه المختلفة التى تزايدت وضمت تخصصات جديدة حتى تم اكتماله وافتتاحه عام ١٩٨٨ وبدأ العمل بكل طاقاته حتى يومنا هذا بعد أن تم تحديثه وتطويره للمرة الثانية.
نظل نذكر دائما تلك الرؤية البعيدة التى تمتع بها الأستاذ الدكتور فايز فايق فى تشجيعه أطباء المعهد على البحث والدراسة وطرق كل أبواب العلم المتاحة لخدمة مريض القلب فى وجوده وتحت إشرافه خطى معهد القلب القومى بتنظيم أول مؤتمرات جمعية القلب المصرية والذى حظى بنجاح فاق كل التوقعات وأضحى مثلا لمؤتمرات لاحقة كثيرة.
كان اهتمام فايز فايق بعلم الوقاية من أعظم ما غرس فى نفوس تلاميذه، الأمر الذى نحتاجه الآن ويأتى على رأس قائمة الأولويات. حاضر وشارك فى أبحاث محلية وعلمية تجعل من أوراقه العلمية مرجعا مهما لكل من يهتم بالوقاية كمبدأ وعلم.
كان علمه دائما حاضرا لخدمة كل المرضى بلا استثناء، وكانت علاقته بمرضاه مثلا يحتذى فى التواضع والإنسانية، حتى إنه من المعروف عنه اهتماماته بنفس الإنسان قبل الجسد، فكان تعلق مرضاه به وإيمانهم بكل نصائحه مثيرا دائما للدهشة داعيا للاحترام.
بلاشك سنفتقد تلك الطلة المشرقة الأنيقة للدكتور فايز فايق فى معهد القلب القومى.. لكنه ترك لنا العديد من الصور النبيلة والأعمال العظيمة التى ستظل فى وجدان كل من زامله أو تتلمذ على يديه.
تحية واجبة لرجل عظيم.. وطبيب أدى الرسالة على أكمل وجه.