مراسم انتقال السلطة من زعيم ملهم إلى رئيس طيب القلب - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مراسم انتقال السلطة من زعيم ملهم إلى رئيس طيب القلب

نشر فى : الأحد 10 أكتوبر 2010 - 10:06 ص | آخر تحديث : الأحد 10 أكتوبر 2010 - 10:06 ص

 أدلى جيمى كارتر، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، عقب زيارته لكوريا الشمالية منذ شهر أو أكثر بتصريح قال فيه إن كيم جونج إيل، رئيس كوريا الشمالية، أبلغه أن ما يتردد عن أنه يعد ابنه الأصغر لخلافته «إشاعة زائفة». صدر هذا التصريح من كارتر بينما كانت سول عاصمة كوريا الجنوبية ودوائر صنع القرار فى طوكيو وواشنطن وبكين تموج بتحليلات سياسية وتوقعات عن مستقبل كوريا الشمالية، فى ظل قيادة على رأسها شاب لم يره أحد من قبل ولا يعرف عنه بشكل مؤكد سن أو طباع أو تأهيل معين. تعودنا على أن تظهر هذه التحليلات والتوقعات كلما سرت إشاعة أو نبأ عن التدهور فى صحة الرئيس كيم منذ أن أصيب فى عام 2008 بوعكة خلفت أثرا على الطريقة التى يمشى بها. لذلك لم يُحدث تصريح الرئيس كارتر الأثر المطلوب واستمر البحث عن مصادر للتعرف على شخصية ولى العهد، وازداد الاهتمام والتكهنات عندما قام الرئيس كيم بزيارته الثانية للعاصمة الصينية خلال أربعة أشهر.

ذهب محللون متخصصون فى شئون شرق آسيا إلى القول بأن التأخير فى إذاعة نبأ اختيار كيم لابنه خليفة له يعود إلى أحد ثلاث احتمالات أو كلها معا. أولها أن الرئيس الكورى، بسبب مرضه، لم يكن قد استكمل بعد كل الترتيبات اللازمة لترشيح ابنه لخلافته. ثانيها أن الترشيح معروض فعلا على النخبة الحاكمة وأن صراعات نشبت بين مراكز القوى عطلت اتخاذ القرار، أو على الأقل، الإعلان عنه. ثالثها أن الحزب لم يجتمع منذ عقدين على الأقل. وأن الدعوة لانعقاد مؤتمر موسع أمر يحتاج إلى ترتيبات معقدة وإجراءات طويلة.

تولى كيم إيل سونج، كيم العظيم، حكم البلاد عقب الحرب العالمية الثانية وبالتحديد فى عام 1948. وفى عام 1980 أعلن ابنه كيم جونج إيل والبالغ من العمر 38 عاما خليفة له. ولم يقصر كيم الأب فى واجب تدريب كيم الابن حتى وفاته فى عام 1994. وقد قضى الرئيس الابن معظم مدة حكمه مريضا، وهو الآن فى الثامنة والستين يعانى من مرض عضال. ومع ذلك كانت مدة الستة عشر عاما التى قضاها رئيسا كافية لتتغير الحياة فى كوريا الشمالية فى نواحى متعددة ولتستجد تطورات وظروف، منها على سبيل المثال:

أولا: اقتصاد يعانى من مشكلات عويصة، حتى أن المؤسسات الدولية صارت تعتبر الجوع فى كوريا الشمالية مزمنا ولا أمل فى علاجه بسبب سوء إدارة الدولة.

ثانيا: حصار اقتصادى فرضه المجتمع الدولى على كوريا الشمالية لحثها على تغيير سياستها النووية.
ثالثا: أصبحت للصين الدولة الأعظم على حدود كوريا الشمالية مكانة دولية وإقليمية لم تملك مثلها فى العقود الأولى من حكم كيم الأب. وقتها لم يكن القائد العظيم فى حاجة لأن يحصل على مباركة الصين لقرار اختيار خليفته فى الحكم.

رابعا: كان كيم الابن فى سن 38 سنة عندما اختاره والده خليفة له بينما كيم الحفيد لايزال فى العشرينيات من عمره ودون خبرة واضحة أو معروفة، فضلا عن أنه لم يحصل من والده على التدريب الكافى كالذى حصل عليه الوالد من الجد.

يعرف الرئيس الحالى كيم جونج إيل أن المجتمعات الشرقية، كالمجتمع الكورى، تعتقد أن صغر السن ليس من الفضائل المحببة فى المرشح لوظيفة قيادية أيا كانت هذه الوظيفة. يعرف أيضا أنه حين يختار الأب الابن الأصغر متجاوزا الأكبر فإنه بشكل ما يتحدى أهم ما فى التقاليد الكونفوشية، وهى أسبقية الابن الأكبر وأفضليته. وفى الغالب لا يعرف كثيرون أن الابن الأكبر للرئيس الحالى تسبب فى فضيحة للعائلة عندما حصل لنفسه على تأشيرة سفر مزورة ليزور ديزنى لاند فى اليابان، وكانت نتيجة الفضيحة عزله عن المجتمع الكورى وإقصائه عن الحياة العامة، وهو الآن يبلغ التاسعة والثلاثين من العمر، أى تقريبا فى السن التى اختير فيها والده خليفة للقائد العظيم.

قليلون جدا خارج العائلة يعرفون كيم جونج أون الشاب الصاعد إلى قمة الحكم فى بيونج يانج، حتى إن أعضاء مؤتمر الحزب الذى انعقد نهاية الأسبوع الماضى الذين وافقوا أولا على تعيينه نائبا لرئيس لجنة الدفاع القومى بعد ترقيته إلى رتبة الجنرال، لم يكن أى منهم قد رآه من قبل إلا من خلال صورة نشرت له ذات يوم كانت قد التقطت له مع أبيه وأمه وعمته وزوج عمته عندما كان عمره لا يتجاوز عشر سنوات. ما نعرفه ويعرفه العالم الخارجى عنه الآن، وصل إلينا بفضل تصريحات أدلى بها اليابانى فوجيموتو الذى كان يعمل طاهيا فى قصر الرئاسة فى بيونج يانج. يقول فوجيموتو: إن عمر الابن لا يقل عن 27 ولا يزيد على 29. ويعرف أنه كان يلعب كرة السلة وعاش لبعض الوقت فى سويسرا طالبا فى مدرسة داخلية، حيث كان يدرس «إما العسكرية أو اللغتين الألمانية والانجليزية». لا شىء أكثر من هذا بكثير يعرفه الكوريون عن الشاب الذى قرر والده ترقيته إلى مرتبة الجنرال وعينه فى الحزب فى منصب الرجل الثانى بعد والده مسئولا عن مسائل الحرب والتسلح قبل أن يقترح على المؤتمر ترشيحه خليفة له.

ذهبت جنيفر ليند، الأستاذة بجامعة دارتماوث، إلى أن تعيين كيم الصغير فى منصب قيادى بالجيش الكورى كان تمهيدا ضروريا لترشيحه خليفة للرئيس باعتبار أن الجيش وليس الحزب هو المؤسسة الأقوى فى كوريا الشمالية. وتؤكد، مثل غيرها من المتخصصين، أن صغر السن سيجعل مهمة والده صعبة. حيث إن الجيش لن يرتاح لترقية شاب صغير إلى رتبة الجنرال، فضلا عن أن التقاليد ستحرمه من ولاء ضباط الجيش. ومع ذلك يوجد من يعتقد أن صغر السن قد يكون سببا فى تحصيل الموافقة وبخاصة من القوى النافذة، إذا فكرت هذه القوى فى أن السن الصغيرة يسهل عليها المحافظة على طابع الاستبداد فى نظام الحكم وإخضاع الرئيس لإرادتها.

يذكر كبار السن من المهتمين بشئون آسيا كيف مهد كيم الأب والزعيم الأعظم لكيم الابن الطريق لإعلان ترشيحه خليفة له. هؤلاء وغيرهم انتبهوا إلى أن خطوات يجرى تنفيذها لا تختلف كثيرا عن إجراءات سبق اتخاذها عندما قرر كيم الأكبر ترشيح الرئيس الحالى خليفة له. كانت الخطوة التمهيدية التى سبقت الترشيح بشهور التوجه إلى الجماهير عن طريق برنامج تليفزيونى يدور حول فكرة أن الطفل الثالث فى كل أسرة كورية يكون عادة إنسانا طيب القلب، إلى جانب فضائل أخرى منها اتزانه وتقديره السليم للأمور وحسن اختياره للبدائل.

جرى عرض هذا البرنامج منذ أوائل العام. وفى الوقت نفسه كانت تصدر تلميحات عن الحاجة إلى تعيين جنرال جديد لمنصب كبير فى لجنة الدفاع القومى، دون إشارة إلى كيم الصغير. ويضيف محللون فى مراكز بحث أمريكية وكورية جنوبية إلى تطورات أخرى لم يكن من الممكن لمتابع عادى ربطها بقضية التوريث مثل اصطحاب الرئيس كيم لابنه معه فى زيارتيه الأخيرتين إلى الصين، وهو ما لم يحدث من قبل. ويبدو أن أحدا خارج الدائرة المغلقة للمحادثات بين الصين وكوريا الشمالية إلى وجود الابن الثالث وإلا لذاع الخبر مبكرا. ربط آخرون بين الإعلان المفاجئ من جانب كوريا الشمالية قبل أسابيع قليلة عن استعدادها استئناف المحادثات العسكرية مع كوريا الجنوبية وبين التمهيد لإعلان الخلافة. يعتقد هؤلاء أن تهدئة مناطق الحدود مع كوريا الجنوبية يسهل الحصول على موافقة القيادة العسكرية فى كوريا الشمالية على ترشيح كيم الصغير خليفة لوالده وقائدا أعلى.

أما الاجتهاد الذى ما كان بالفعل يخطر على بال أحد، فقد ورد فى التصريح الغريب الذى أدلى به روبرت جيتس، وزير الدفاع الأمريكى، عندما ألمح إلى أن الخلافات الداخلية فى بيونج يانج حول موضوع التوريث كانت وراء حادثة إغراق قوات كوريا الشمالية لسفينة حربية من كوريا الجنوبية فى شهر مارس الماضى. بمعنى آخر ربط كثيرون بين رضا المؤسسة العسكرية فى كوريا الشمالية واختيار الرئيس لأصغر أبنائه خليفة له باعتبار أن هذا الرضا شرط لا غنى عنه.

أنا شخصيا أعتقد أنه ما كان يمكن أن ينجح الرئيس كيم فى ترشيح ابنه الأصغر ليكون خليفته فى منصب الرئاسة إلا إذا ضمن توافر شروط ثلاثة على الأقل:

الأول: موافقة المؤسسة العسكرية لكوريا الشمالية ولذلك أوصى بترقية شقيقته، أى عمة الرئيس المقبل وزوجها إلى رتبة جنرال وعين الجنرال رى يونج هو نائبا للجنة الدفاع برتبة نائب المشير. يقول ليونيد بيتروف، الخبير فى جامعة سيدنى باستراليا، إن الجنرال رى كان يؤيد ترشيح الشاب أون خليفة للرئيس. لذلك يعتقد بيتروف وآخرون بأن ترقية كل هؤلاء المقربين والأقرباء تعنى أنه قد شكل بالفعل مجلس وصاية لتدريب ولى العهد وتوجيهه، وهو ما قد يعنى أيضا أن حالة الرئيس كيم الصحية متدهورة.

الثانى: ثقة الشعب فى كوريا الشمالية فى أن الخيار النووى لا رجعة فيه، فهو الضمان الوحيد لردع أى هجوم عسكرى أمريكى. وفى الوقت نفسه اقتناع المجتمع الدولى بأن الوضع فى كوريا الشمالية مستقر سياسيا وان السلاح النووى سيبقى فى أيدى مسئولة وقوية.

الثالث: اطمئنان حكومة بكين إلى أن انتقال السلطة سوف يحدث فى إطار سلمى وبتوافق كل مراكز القوى، وأن القوات المسلحة الكورية أكدت التزامها عدم إقامة الوحدة الكورية، فالصين لن تحتمل وجود قوات أمريكية على حدودها وبالتأكيد لا تريد أن تدخل قريبا حربا ثانية لمنع حدوث ذلك.

مرة أخرى تؤكد التطورات فى شرق آسيا واقع انتقال بؤرة الاستراتيجيات الدولية من الأطلسى إلى الباسيفيكى.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي