دول كثيرة متقدمة فى العالم وأظن نحن أيضا فى مصر نعيش حاليا إشكالية وهى العلاقة بين الحرية والعدالة وهذه الإشكالية ليست ترفا فكريا فلسفيا، ولكن تمس واقع الحياة. وواقعنا فى مصر على وجه الخصوص لأن بعد ثورتى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 خرج الناس عن صمتهم والـ«لا مالية» التى عششت فينا لسنين طويلة بسبب عصور القمع إلى عصر الحرية والذى لم يعد الشعب المصرى يقبل فيه الصمت والرجوع للسكينة والخوف. لذا فالحرية أخذت مداها إلى أن تجاوزته فى بعض الأحيان. وهذا التجاوز أو تجاوزات الحرية طبيعية فى وبعد ثورات الشعوب على مستبديهم. وهنا يأتى دور العدل وتحضرنى هنا مقولة للقديس أغسطينوس (ق 5) وهو كاتب وفيلسوف «حريتى تقف عندما تبدأ حرية الآخر» (من كتاب الاعترافات) فإذا كانت الحرية قيمة إنسانية كبيرة فالعدالة هى أيضا قيمة روحية وإنسانية كبيرة إلا أنها أيضا الآلية التى تجعل الحرية منضبطة وغير متجاوزة أو منفلتة والعدالة أو القانون العادل هى التى تضبط إيقاع المجتمع وتنظم علاقات الناس فيما بينهم فمثلا الحق فى حرية التعبير لا يعنى التشهير والتجريح فى الآخر والخوض فى أعراض الناس فالعدالة تقتضى المحاسبة الأدبية والقانونية كذلك حرية التجارة والصناعة لا تعطى الحق فى احتكار السوق والمغالاة فى الأسعار واستغلال حاجة الناس أو تلوث البيئة.. هنا أيضا العدالة تقتضى وضع ضوابط قانونية من خلال الحكومة والمجتمع على حد سواء لمنع أى استغلال أو تجاوزات، كذلك حرية الامتلاك من ملكيات أو عقارات خاصة لا تعنى الحق فى التعدى على حرمة الجار او حرمة الدولة فنحتاج إلى العدالة لمنع أى تعدٍ.
وفى جميع الأديان السماوية الله هو ملء العدل، والحاكم يعمل ويسهر لكى يطبق بدقة قواعد العدالة ومراعاة حقوق الفقراء والضعفاء بل كل إنسان مدعو لكى يمارس الحق والعدل فى كل وقت ويتماهى مع الصدق والمحبة والإحسان للآخر ولتحقيق حرية حقيقية ومطلقة بالمعنى الأخلاقى للكلمة تحتاج إلى عدالة مطلقة يكون فيها القانون فوق الجميع لا يحابى ولا يميز بين الكبير والصغير أو الغنى والفقير أو الرجل والمرأة بل واحد للجميع وعلى الجميع.