ظللت طوال أيام الأسبوع الماضى أتنقل بين فكرة وأخرى لعمود الصفحة الأسبوعى فلا أستقر على حال. تمنيت أن أجد فكرة واحدة موضوعية قد تدخل بعضا من البهجة أو التفاؤل على القارئ العزيز، إلا أننى فى الواقع لم أجد ما يحقق أملى فى مجال الصحة إلا كل ما يكدر النفس من أحداث ويزيد اللحظات قتامة. وبالمصادفة وقع بصرى على موضوع صغير فى جريدة الشرق الأوسط لا أجد أى حرج فى أن أذكرها بالاسم وأن أذكر أيضا اسم السيدة الصحفية فيفيان حداد التى كتبت الموضوع بحب واضح وتقدير.
الخبر عن افتتاح مطعم فى لبنان من نوع خاص: مطعم يديره بالكامل مجموعة من ذوى الاحتياجات الخاصة. وراء ذلك النجاح الإنسانى الفريد سيدة تحمل قلبا من حب خالص ونقاء يثير الدهشة أم سمعان أو السيدة جاكين مكارى التى فقدت طفلها الوحيد إثر مرض غامض لم يتم تشخيصه فاستبدلت حزنها النبيل برغبة قوية فى مساعدة الآخرين على مواجهة صعوبات الحياة، قصدت أم سمعان أصدقاء وأهلا لها فى أستراليا ليعاونوها على تحقيق فكرة إنسانية بديعة فما قصر منهم أحد وعادت من أستراليا ومعها من المال ما يمكنها من أن تبدأ مشروعها على مساحة مائتى متر من الأرض بدأت بمطبخ وحمام ومجموعة من الكراسى الملونة والمظلات متعددة الألوان تبعث على البهجة وتدعو النفس للطعام.
تصف الكاتبة الصحفية فيفيان حداد المكان بشغف وحب: «بين زغرتا وإهدن ينتصب مطعم من نوع آخر، عشرة موظفين من أصحاب الاحتياجات الخاصة يديرونه ويشرفون عليه ويقدمون الخدمة الممتازة لرواده يستقبلونهم بابتسامة كبيرة ويدلونهم على طاولاتهم ويدونون طلباتهم ويحملون لهم الطبق تلو الآخر فيرسمون أمامك لوحة إنسانية نادرا ما تصادفها فى لبنان بعد أن كسرت صمتا عميقا يسود عادة علاقة اللبنانى بأشخاص مختلفين».
الواقع أن الفكرة إنسانية بامتياز فهى بلا شك تحول ذوى الاحتياجات الخاصة إلى أفراد منتجين فى مجتمعهم وتكسر حدة الاختلاف بينهم وبين الآخرين من البشر.
الواقع أننى بالفعل صادفت مثلا رائعا لأم طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة هى صديقة مقربة لابنتى التى تماثلها فى العمر لها بقلبى منزلة أصحاب الهمة من البشر تبذل جهودا خارقة لتتمكن من دمج طفلها فى مجتمعات الأطفال التى تماثله فى العمر بصورة تدعو للاحترام وكل التقدير.
ولا تكتفى بطفلها بل تتبنى مجموعة من الأفكار البناءة تقدمها بكل الحب والإخلاص لمجتمع الأمهات اللاتى يرغبن فى الاستفادة من تجربتها. لا أملك حين أرى ابتسامة طفلها الجميل إلا أن استبدلها بملامحها هى: أم يحيى الرائعة.
قضية بلا شك فى غاية الأهمية تحتاج منا إلى فهم عميق بأبعادها لكنها أيضا فى المقام الأول قضية إنسانية واجب التقدم بشجاعة للمساهمة فى حلها.
أضم صوتى لأم سمعان وأم يحيى فى أن نتقدم للعمل على دمج ذوى الاحتياجات الخاصة فى المجتمع بكل الصور التى تضمن لهم جميعا حياة فيها من المسئولية والأمل ما يستحقون بالفعل بل وما تستحقه عائلاتهم التى تساندهم وتطالب بجقهم من مجتمع متحضر له قلب إنسان.