أنهى مجلس وزراء منظمة «أوبك» اجتماعه نصف السنوى بقرارات اعتيادية دون أى ضجة. فقد تقرر الاستمرار بسقف الانتاج لأعضاء المنظمة، البالغ 30 مليون برميل يوميا، والمعتمد منذ يناير 2012، دون أى تغيير، مما يعنى تأجيل اتخاذ القرار الصعب وعدم فتح الباب الشائك لتوزيع حصص الإنتاج للدول الأعضاء خلال الفترة الحالية. فى نفس الوقت، أبدت عدة دول أعضاء ارتياحها لمستوى الأسعار، ولتوازن معدلات العرض والطلب الحالية، من ثم لم تجد سببا ملحا فى تغيير الوضع القائم فى الوقت الحاضر، مما يعنى توقع معالجة الأمور الشائكة حول حصص الإنتاج فى الاجتماعات المقبلة.
كما تم التمديد مرة أخرى لأمين عام المنظمة عبدالله البدرى، وزير النفط الليبى السابق. والسبب فى ذلك عدم حصول إجماع على المرشحين من السعودية والعراق وإيران. ويتوقع أن يفوز فى النهاية مرشح من خارج هذه الدول الثلاث، وذلك كحل وسط. وقوانين المنظمة تتطلب الحصول على الإجماع فى تعيين الأمين العام.
لكن الاجتماع لم يخلُ من التصريحات المثيرة، والتى تشير إلى إمكانية بروز المشكلات مستقبلا، وأهم هذه التصريحات، تلك التى ادلى بها وزير النفط الإيرانى بيجان زنغانة، الذى صرح لوسائل الإعلام بأن بلاده غير مستعدة لتخفيض انتاجها النفطى، حتى لو انخفضت اسعار النفط إلى 20 دولارا للبرميل. ويتراوح سعر النفط الآن، كما خلال السنتين الماضيتين حول 105 و110 دولارات للبرميل.
•••
يعود قرار عدم تغيير حصص الانتاج حاليا، إلى عوامل العرض والطلب المتباينة فى الأسواق. فمن غير الواضح حتى الآن معدلات النمو الاقتصادى فى الدول الصناعية الكبرى، وما مدى معدل الطلب على النفط عالميا خلال عام 2014. كما هناك مؤشرات متباينة فى الإنتاج لأقطار منظمة «أوبك» نفسها. فمعدلات الإنتاج والتصدير فى ليبيا فى أدنى مستوياتها. والطاقة الإنتاجية لليبيا هى نحو 1.6 مليون برميل يوميا، بينما معدل الإنتاج الآن نحو 500 ألف برميل يوميا. أما معدل التصدير فهو بحدود 300 ألف برميل يوميا، بدلا من نحو 1.4 مليون برميل يوميا. ورغم محاولة المسئولين الليبيين طمأنة الأسواق، وأن معدلات الإنتاج سترتفع قريبا، إلا أن حقيقة الأمر هى أن هناك «فلتانا» للوضع الأمنى فى البلاد. فقد استطاعت فئات مسلحة السيطرة على حقول الإنتاج ومنشآت التصدير، ولم تستطع الحكومة حتى الآن من إعادة الأمور إلى نصابها. فى نفس الوقت، انخفض مستوى الإنتاج للنفط النيجيرى من نحو 2.4 مليون برميل يوميا إلى أقل من مليونى برميل يوميا بسبب الفلتان الأمنى فى دلتا النيجر، حيث الإنتاج النيجيرى الضخم. من ناحية أخرى، هناك الزيادة التدريجية والمستمرة فى إنتاج النفط العراقى، والبالغة حاليا نحو 2.9 مليون برميل يوميا. والمخطط للعام المقبل هو زيادة الإنتاج إلى نحو 3.5 -4 ملايين برميل يوميا. وهذا المعدل يعتمد على مشاريع تطوير الحقول المنتجة فى جنوب البلاد، لكن لا يأخذ بنظر الاعتبار المشكلات البترولية القائمة ما بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، ناهيك عن الفلتان الأمنى فى البلاد. أما بالنسبة لإيران، فيبلغ مستوى الإنتاج الحالى نحو 3 ملايين برميل يوميا، والمنشود هو زيادة هذا المعدل إلى 4 ملايين برميل يوميا خلال عام 2014. كان معدل الإنتاج الإيرانى نحو 6 ملايين برميل يوميا فى أواخر عقد السبعينيات، أى فى نهاية حكم الشاه. لكن لم يتجاوز معدل 3 ملايين برميل يوميا خلال عهد الثورة الإسلامية، رغم المحاولات الدؤوب للوصول إلى معدل 4 ملايين برميل يوميا، والذى لم يتحقق حتى الآن. ستجد إيران صعوبة فى زيادة طاقتها الإنتاجية نحو مليون برميل يوميا، ولو عادت شركات النفط العالمية للإنتاج ثانية من حقول النفط الإيرانية. فاتفاق جنيف النووى هو مؤقت ولمدة ستة شهور، أى لن تنتهى مدته قبل فصل الربيع المقبل. ومن غير المعروف حتى الآن سرعة ومدى رفع العقوبات عن إيران. ومن الواضح أن شركات النفط العالمية لن توقع عقودا ببلايين الدولارات مع ايران قبل التأكد من رفع العقوبات. لذا من المشكوك فيه استطاعة إيران زيادة طاقتها الإنتاجية بنحو مليون برميل يوميا خلال فترة ستة شهور فقط.
•••
من ثم نجد أن هناك انخفاضا ملحوظا فى إنتاج بعض الأقطار الأعضاء للمنظمة، وفى نفس الوقت برامج طموح لزيادة الإنتاج لأقطار أخرى، نحو 2 مليون برميل يوميا من العراق وإيران. وكان هدف الوزير الإيرانى من تصريحه بزيادة إنتاج بلاده إلى نحو 4 ملايين برميل يوميا، حتى لو انخفضت الأسعار إلى 20 دولارا للبرميل، هو تهديد مبطن لكل من العراق الذى يزيد من إنتاجه بعد سنوات بل عقود من تراجع الإنتاج بسبب الحروب والحصار الدولى، كذلك فإن رسالة زنغانة موجهة إلى السعودية، التى زادت من إنتاجها إلى نحو 10 ملايين برميل يوميا لتعويض النقص فى الإنتاج الإيرانى والليبى، ومن ثم المحافظة على توازن فى العرض والطلب العالمى. ومن المعروف أن طاقة السعودية الإنتاجية تبلغ نحو 12.50 مليون برميل يوميا.
•••
كما هناك عامل جديد على الساحة النفطية العالمية، عامل لم تواجهه منظمة «أوبك» سابقا، وهو البدء خلال السنتين المقبلتين بتصدير النفط الصخرى من أمريكا الشمالية إلى الأسواق العالمية. من غير المعروف حتى الآن إمدادات النفط الصخرى التى سيتم تصديرها، ولا تأثير استخراج هذا النفط غير التقليدى على البيئة وأحواض المياه الجوفية، ولا الفترة الزمنية الممكن المحافظة فيها على هذه الصادرات. فالمعطيات المتوافرة تشير إلى أن استنفاد احتياطات النفط الصخرى تجرى بسرعة، لأن إنتاجه يتم من خلال تسربه من مسامات الصخور، وهذا يعنى بدوره الحفر المستمر للآبار، وهى عملية مكلفة، من أجل إنتاج أكبر كمية ممكنة من الاحتياطى.
لا يتوقع أن تكون الاجتماعات المقبلة لمنظمة «أوبك» هادئة، مثل هذا الاجتماع. فالصراع على توزيع حصص الإنتاج للأقطار الأعضاء عادة ما يثير خلافات حادة ما بين الأقطار الأعضاء، إذ إنها تعنى صراعا على الأسواق، وهذا الخلاف يترك عادة انعكاسات سلبية على الأسعار العالمية.