مصر المصابة بالزهايمر لم تسعفها ذاكرتها المفقودة بشكل مؤقت لكى تتذكر 9 يناير.. أقامت دورة كروية لدول حوض النيل فى يناير لكنها لا تذكر أنه شهر السد العالى.
التاسع من يناير هو عيد بناء سد مصر العالى، وهو أيضا اليوم الذى بدأ فيها الاستفتاء على تمزيق أواصر السودان، أو عمق مصر الاستراتيجى فى الجنوب.. وإعلان إقامة دولة جديدة اقترحوا لها اسم «جمهورية النيل».
هل هى المصادفة وراء اختيار 9 يناير يوما للاستفتاء على انفصال جنوب السودان عن شماله؟
لاحظ التسمية، وكأن حكومة الجنوب التى تستمتع بالدفء فى حجر واشنطن قررت أن توجه رسالة لمن يهمه الأمر أن مفاتيح النيل ستكون بيدها، وغنى عن القول أن هذه الحكومة لم تستطع أن تدفع عن نفسها اتهامات بأنها جعلت جنوب السودان مستباحا للوجود الصهيونى.
وأزعم أن اختيار 9 يناير ليس من قبيل المصادفات، فهؤلاء الرعاة غير الصالحين لاستفتاء الانفصال بارعون للغاية فى التقاط المسميات والتواريخ.
قبل واحد وخمسين عاما من الآن كانت مصر تطلق الرصاصة الأولى فى معركتها ضد الغرق وضد العطش، حيث بدأت ملحمة بناء السد فى مشهد وطنى مهيب، رغم أنف الولايات المتحدة ورغم أنف البنك الدولى الذى رفض التمويل.
كان بناء السد هو الحلم الذى تأجل أكثر من ألف عام، حلم به عالم الرياضيات العربى الأشهر الحسن بن الهيثم منذ كان فى بغداد بالقرن العاشر الميلادى، حيث روى عنه فى ذلك الوقت أنه قال: «لو كنت بمصر لعملت بنيلها عملًا يحصل النفع فى كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان».
و جاء بن الهيثم لمصر أيام الفاطميين وبدأ تحقيق حلمه غير أنه توقف، حتى جاء جمال عبد الناصر وفعلها.
الآن لا أحد يتذكر فى مصر، سقط عيد بناء السد سهوا من الذاكرة المعبأة بملفات أكثر إثارة، ونسى الكل أن هذا البلد توحد يوما خلف مشروع واحد، وهذا الشعب تشابكت أياديه وامتزجت حبات عرق المواطن المسلم وشقيقه المسيحى أثناء تفجير جبل الجرانيت لحفر مجرى السد.
لكن هذا البلد الآن مشغول بما هو أتفه، ومخطوف إلى ما هو أكثر ظلاما وعبثية، وطبيعى والوضع كذلك ألا يتوقف أحد أمام عبقرية بناء السد العالى، ليس فقط كمشروع جبار اختير على رأس قائمة المائة مشروع الأكثر عظمة فى القرن العشرين، بل وأيضا كمشروع للمواطنة الحقيقية، مثله مثل حرب أكتوبر، حيث حضرت الوطنية المصرية ساطعة، وغابت الطائفية ولم يسأل أحد: السد العالى مسلم أم مسيحى؟