بعد مرور نحو 15 عاما على زيارة الرئيس الراحل شمعون بيرس إلى أنقرة، زار رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ يوم الأربعاء الماضى العاصمة التركية، بهدف ترميم العلاقات مع نظيره التركى رجب طيب أردوغان. ومع الأخذ فى الحسبان منظومة العلاقات المعقدة طوال العقد الأخير، فإن زيارة هرتسوغ التاريخية ترمز إلى بداية مرحلة جديدة فى العلاقات.
بخلاف ما جرى فى الماضى، فإن طلب ترميم العلاقات جاء من الجانب التركى تحديدا. وهنا يُطرح السؤال: ما الذى جرى للرئيس أردوغان، الذى مواقفه الانتقادية لإسرائيل ليست سرا، كى يتقرب من إسرائيل؟
فى ظل التآكل المستمر فى قيمة الليرة التركية وغياب مستثمرين أجانب، اضطرت أنقرة إلى تطبيع علاقاتها مع الإمارات فى نوفمبر الماضى. وسارعت الإمارات، حينها، بعد أن انتبهت إلى ضعف أنقرة الاقتصادى، إلى إعلانها استثمار مبلغ 10 مليارات دولار فى الاقتصاد التركى. وبهذه الطريقة، حصلت أبوظبى، عمليا، على التحول فى السياسة الخارجية التركية إزاءها ــ وطلبت من أنقرة التخلى عن سياستها الخارجية المضادة التى تتعارض مع روحية اتفاقات أبراهام. بالإضافة إلى ذلك، فإن ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة والحصول على الغاز الطبيعى من منصات الغاز فى المياه الاقتصادية الخالصة لإسرائيل على حساب اليونان وقبرص ــ هما مؤشران بارزان يفسران التحول الذى قام به الرئيس التركى حيال إسرائيل.
فى الأسابيع الأخيرة، صُدمت أنقرة بالغزو الروسى لأوكرانيا، شأنها شأن الدول الأُخرى، وتذكرت فجأة أهمية حلف الناتو الذى قللت من شأنه طوال العقد الماضى. ويبدو أن الحرب فى أوكرانيا ستعيد أنقرة إلى السياسة الخارجية التقليدية الموالية للغرب، والتى شهدناها خلال الحرب الباردة.
فى ضوء كل هذه الأسباب المذكورة أعلاه، هذه هى المرة الأولى فى تاريخ العلاقات الثنائية التى يكون لإسرائيل اليد الطولى فيها. بناء على ذلك، يتعين على إسرائيل استغلال الزخم وعدم التنازل عن مبادئ أساسية، مثل المطالبة بطرد حركة «حماس» من الأراضى التركية؛ كما عليها أن توضح لأردوغان أن إسرائيل تتابع، عن قُرب، الخطاب العام العدائى والمعادى للسامية ولإسرائيل فى تركيا، وأن أى محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل ستُلحق ضررا خطِرا بالثقة بين الدولتين.
بعكس الماضى، النضال الإسرائيلى يجب أن يركز، تحديدا، على وعى الجمهور التركى، وأن يخلق تواصلا مباشرا طبيعيا بين الشعبين. وبالإضافة إلى أحداث مثل الحفلات الموسيقية التى تنظمها الأوركسترا الإسرائيلية، يجب التركيز أيضا على أحداث عامة يشارك فيها رجال دين ومنظمات غير حكومية، وأيضا فرق كرة السلة وكرة القدم.
وكى تتمكن القدس من تحقيق هذا الهدف، يتعين على الحكم فى إسرائيل تغيير الأسطوانة كما يفعل الرئيس هرتسوغ اليوم، والتخلى عن الأسلوب التقليدى فى التحرك من وراء الكواليس، والذى ميز السياسة الخارجية إزاء الدول العربية طوال أعوام عديدة. من أجل تحقيق تطبيع حقيقى، فإن كل اتصال تُجريه إسرائيل مع الأتراك ــ على كل الأصعدة ــ يجب أن يكون علنيا مع ظهور علم إسرائيل وتركيا أمام أعين الجمهور.
أى نوع من شبكة علاقات سرية، باستثناء العلاقة الاستخباراتية، سيُعتبر هدفا ضد أنفسنا إذا أردنا التحدث بمصطلحات كرة القدم. من أجل المصالح الحيوية والأمنية لدولة إسرائيل، فإن تطبيع العلاقات مع أنقرة هو بالتأكيد أمر مطلوب، لكن كما يعرف الأتراك جيدا، من دون التنازل عن الكرامة الوطنية.
حاى إيتان كوهين يناروكاك
خبير في السياسة التركية المعاصرة والعلاقات التركية ــ الإسرائيلية والأكراد
يسرائيل هَيوم
مؤسسة الدراسات الفلسطينية