أخيرا أصبح لمصر استراتيجية جديدة للتعليم العالى والبحث العلمى والذى كنا نطالب به منذ زمن بعيد، فتقدم الشعوب يقاس بمدى جدية التعليم به وترتيبه دوليا وكذلك ماذا وكيف ينتج ليفيد مجتمعه والإنسانية بشكل عام. إن مصر، وهى ترنو إلى تقدم تنشده، وإصلاح تنتظره، وحياة كريمة ترجوها لشعبها لا يمكن أن تحقق ذلك إلا بإصلاح التعليم وتطويره، وهو أمر بات ضروريا ولا مفر منه، كما أن أى إصلاح لكل مشكلة لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تحددت هذه المشكلة تحديدا دقيقا، ووصفت توصيفا جديا حتى يتضح مداها وصورها وكيفية التعامل معها. فإذا ما ظل الطبيب يلاحق أعراض المرض دون علاج أصل الداء فإن عمله فى النهاية إلى سراب وغايته فى شفاء المريض تبقى ضربا من المستحيل الذى لن يتحقق أبدا.
وفى هذا الصدد عرض الدكتور محمد أيمن عاشور الإستراتيجية الجديدة للتعليم العالى والبحث العلمى على شكل ثلاثة محاور تشتمل عليها هذه الإستراتيجية وهى كفيلة بإنجاز نقلة نوعية غير مسبوقة فى تعليمنا الجامعى، وفى البحث العلمى بالجامعات المصرية. وعلى سبيل المثال، فإن المحور الأول، وهو السعى إلى توفير مناخ يحفز لتوطين وإنتاج المعرفة، سيجعل الهدف الرئيسى للتعليم الجامعى هو الابتكار والإبداع والتشجيع على التفكير النقدى، وليس مجرد الحفظ لكى ننجح فى امتحان آخر العام.
وأما المحور الثانى، وهو التحول نحو الجيل الرابع للتعليم، فسوف يجعل التكنولوجيا الحديثة هى الوسيلة والغاية معا، بمعنى أن وسيلة الطالب للتعلم ستكون التكنولوجيا، بهدف الوصول إلى الغاية، التى هى إنتاج التكنولوجيا، حتى لا نظل مستوردين للتكنولوجيا من الخارج.
ثم يبقى المعيار الثالث، وهو أن تكون منظومة التعليم العالى وسيلة إلى التنمية الشاملة المستدامة وتحقيق أهداف هذه التنمية. وبديهى أنه لا تنمية حقيقية بدون تطوير البحث العلمى، وهو ما سوف تضمنه لنا الإستراتيجية الوطنية الجديدة للتعليم الجامعى.
هذه الافكار ممتازة ولكن نتمنى ألا تكون حبرا على ورق أو كلام فقط، ولكن نريده أن يدخل حيز التنفيذ حتى تكون جامعاتنا ومراكز الابحاث العلمية المصرية جديرة بأن تقود المجتمع إلى ما هو أفضل وبطرق علمية كذلك يجب وضع سياسة للاستفادة القصوى من علمائنا سواء فى الداخل والخارج وإعطائهم كل الفرص والإمكانيات ومهما كانت التضحيات لأن العلم الحديث هو الذى سيفرز مستقبلا الأمم المتخلفة من الأمم المتقدمة.
التعليم العالى يسهم فى تكوين المجتمع وبلورة ملامحه فى الحاضر والمستقبل فيرتكز دور التعليم العالى فى تنمية الثروة الحقيقية للمجتمع وهى الطاقات البشرية من أجل تحقيق تنمية مستدامة تحقق النمو الاقتصادى للمجتمع لتعليم باعتباره استثمارا فى رأس المال البشرى يمكن أن يحقق عوائد اكبر من رأس المال المادى بالنسبة للدول النامية وإن كان له دور ايضا فى نمو اقتصاديات الدول المتقدمة ونحن نريد أن نكون فى تطور دائم وفى مقدمة الشعوب فلا ننسى أن ميزانيات البحث مازالت هزيلة مقارنة لما عليها أن تقدمه فنأمل أن نرى طفرة قوية فى هذا الاتجاه.