ملائكية الأنبياء والمرسلين - بشير عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 2:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملائكية الأنبياء والمرسلين

نشر فى : الإثنين 11 مارس 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الإثنين 11 مارس 2024 - 7:30 م

من بين ذرائع شتى، كانوا يسوقونها، للفكاك من الإيمان بأنبياء الله ورسله؛ عكف أناس كثٌر، على اشتراط ملائكية أولئك الأنبياء والمرسلين. أما إذا بُعثوا بشرًا، فلترافقهم ملائكة مناصرون. أو يكونوا ملوكًا من ملوك الدنيا، أو عظماء من علية القوم، أكثرهم ثراءً، وأعلاهم شرفًا ونسبًا.
ففى الآية الثانية من سورة يونس، يقول الحق، تبارك وتعالى: «أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس». وفى الآية الرابعة والعشرين من سورة المؤمنون: «فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً». وفى الآية السابعة والأربعين من السورة ذاتها: «وَقَالَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا». وفى الآية الرابعة والتسعين من سورة الإسراء: «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا». وفى الآية السادسة من سورة التغابن: «ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا». وفى الآية العاشرة من سورة إبراهيم: «إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِين». وفى الآية السابعة من سورة ص: «أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا». وههنا، يقول بن عباس: لما بعث الله نبيه محمدًا، صلى الله عليه وسلم، جحدت العرب ذلك، معتبرة أن الله أعظم من أن يرسل نبيًا بشرًا، يأكل الطعام، ويمشى فى الأسواق. فلو كان فاعلًا حقًا، لأرسل ملائكة.
لم تكن المطالبة بملائكية الرسل والأنبياء بدعة قرشية، فقد كان الأولون من أهل القرون السالفة ينحون المنحى ذاته. حيث يقول، عز من قائل، فى الآيتين الخامسة و السادسة من سورة التغابن: «أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فقالوا أبشر يهدوننا». وعن قوم هود وصالح، يقول تعالى فى الآية الثالثة والستين من سورة الأعراف: «أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم».
حتى يتقبل المشركون بشرية الرسل والأنبياء، كانوا يطالبون بأن يكون لهم أعوان أو قرناء من الملائكة، يشهدون لهم بالنبوة والرسالة. حيث يقول، عز وجل، فى الآية السابعة من سورة الفرقان: «لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا. وعن موقف فرعون مع نبى الله، موسى، يقول، تقدست أسماؤه، فى الآية الثالثة والخمسين من سورة الزخرف: «فَلَوْلَا أُلْقِى عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ». والمعنى: إن كان صادقًا، فلتمشِ بصحبته جموع الملائكة، ليشهدوا له بالنبوة والرسالة.
لم يتورع أقوام عن المطالبة بأن يكون الرسل والأنبياء من ملوك الدنيا، أو أعظم أهلها نسبًا وثراءً. وفى هذا، يقول تعالى، فى الآية الحادية والثلاثين من سورة الزخرف: «وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ». أى أشرف من محمد، صلوات الله وسلامه عليه، بمعاييرهم الدنيوية؛ كمثل، الوليد بن المُغيرة المخزومى، من أهل مكة, أو، حبيب بن عمرو بن عمير الثقفى، أو، كنانة بن عمير، من أهل الطائف. ويقول، تجلت حكمته، فى الآية الثامنة من سورة الفرقان: «أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا». ومن بين من أرسل على عباده، بعث الله أنبياء يجمعون بين النبوة والملك، يحكمون الأرض، ويسوسون الناس. مثل نبى الله داوود، وابنه سليمان، عليهما السلام.
يأبى الله إلا حصر رسالاته إلى الناس فى الأنبياء والمرسلين من البشر. حيث قال تعالى: فى الآية التاسعة بعد المائة من سورة يوسف: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِى إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى». وفى تفسيرها، يقول، ابن كثير، اختار الله رسله وأنبياءه للناس من سكان الأرض وليس أهل السماء. وفى الآية العشرين من سورة الفرقان: «وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق». وفى الآيتين السابعة والثامنة من سورة الأنبياء: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ، وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ». وفى تفسير الآيات، يقول، الشنقيطى: «لم يرسل ربنا قبل محمد، صلى الله عليه وسلم، من الرسل إلا رجالًا، بشرًا، يأكلون، يشربون، يتزوجون، يمرضون ويموتون».
قد يختار ربنا من ملائكته رسلًا، إلى أنبيائه ومرسليه؛ كما قال تعالى فى الآية الخامسة والسبعين من سورة الحج: «اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ». وفى مستهل سورة فاطر: «الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا». ويرى، ابن كثير، أن حصر الله رسله وأنبياءه فى الرجال البشريين، لا يناقض إرساله ملائكته بالوحى إلى أولئك الأنبياء والمرسلين. فلقد اختار من الملائكة رسلًا، كجبرئيل، ميكائيل وملك الموت، ليرسلهم إلى أنبيائه، أو من شاء من عباده. وفى الآية السابعة والتسعين من سورة البقرة: «فإنَّه نزَّله على قلبك بإذن الله مصدّقًا لما بين يديه». وفى الآية الثالثة والتسعين بعد المائة من سورة الشعراء: «نزل به الرُّوح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين».
وقد أخبرنا ربنا بإنزاله ملائكته على البشر، من غير الرسل؛ إذ قال تعالى، فى الآية الثانية من سورة النحل: «يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ». وفى الآية الثلاثين من سورة فصلت: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّة». فمن بين عديد مهام، أنيطت بهم، يرسل الله ملائكته لتبشير المؤمنين بالجنة عند الاحتضار.
يخبرنا المولى، عز وجل، إن إرساله الملائكة رسلًا إلى الناس مباشرة، مرتهن بأن يكون الناس أنفسهم ملائكة. حيث يقول تعالى فى الآية الثانية والتسعين من سورة الإسراء: «قل لَوْ كَانَ فِى الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّين لنزلنا عليهم من السماء ملكًا رسولًا». وفى هذا يقول، بن كثير: «من لُطْف الله ورحمته بعباده، أنّه يبعث إليهم الرسل من جنسهم، ليفقهُوا عنهم ويفهموا منهم، ويتمكنوا من مخاطبتهم؛ فلو بعث إلى الْبشرِ رسولًا من الملَائكَة، لما استطاعوا مواجهته ولا الأَخذ عنه». ويقول، بن عباس: «لما كان الناس بشرًا، بعثنا فيهم رسلنا منهم، لطفًا ورحمة بهم، لأنهم لا يطيقون رؤية الملائكة بصورتهم، التى خلقناهم عليها. حيث سيلتبس عليهم أمرهم، فلن يتيقنوا من ملائكيتهم أو بشريتهم؛ ومن ثم يزيغوا عن الإيمان بهم».
درءًا للمناوئين المطالبين بأن يكون الرسل والأنبياء من الملائكة أو الملوك، يؤكد المولى، جل وعلا، أحقيته، دون سواه، بهذا الأمر. إذ يقول فى الآية الثانية والثلاثين من سورة الزخرف: «أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا». أى أنه وحده صاحب القرار بهذا الشأن؛ يفعل ما يشاء دون مساءلة. إذ يقول فى الآية الثالثة والعشرين من سورة الأنبياء: «لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون». ويعلم، جل فى علاه، أن اختياره رسله وأنبياءه من الملائكة، لن يثنى المشركين عن شركهم؛ إلا بإذنه. حيث يقول فى الآية الحادية عشرة بعد المائة من سورة الأنعام: «وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىءٍ قُبُلًا مَّا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ». والمعنى، لو أنزلنا إليهم الملائكة فيروها عيانًا، وأحيينا لهم الموتى يكلمونهم، ما آمنوا، إلا أن يأذن الله، لمن يشاء منهم.

التعليقات