إيران هى مركز المناقشة متعددة الأطراف التى يأتى فيها قوى دولية ولاعبون إقليميون إلى الطاولة بهموم كل منهم ورؤاه لإرساء السلام الدولى.
ويتفق خبراء انتشار الأسلحة النووية على أن طموح إيران هو امتلاك القدرة على إنتاج الأسلحة النووية. ومهما كان انقسامهم بين صقور يرون أنه ينبغى منع إيران من الوصول إلى القدرة على إتقان دورة التخصيب الكاملة، وهؤلاء الحمائم الذين يدعون إلى تبنى سياسة واقعية فى التعامل مع إيران. فقد أحبط المجموعة الأولى وأضعفها عدم فاعلية الخطاب القائم على التهديدات والإدانات والعقوبات، الذى زاد فحسب من قوة الإجماع الداخلى حول الرئيس أحمدى نجاد بشأن «الحق الذى لا يمكن التخلى عنه» الذى تملكه إيران فى تطوير قدرتها النووية بشكل كامل. ولذلك لم تعد هناك مقترحات لدى الصقور. ويدعم القليلون جدا منهم خيار الضربات العسكرية التى تدعو إليها إسرائيل وربما تحاول القيام بها، وهو ما يعود فى المقام الأول إلى صعوبة الوصول إلى الأهداف، وإلى الخطر الذى يمكن أن يتسبب فيه الرد المرجح فى أنحاء المنطقة.
من ناحية أخرى، فإن لدى الواقعيين الكثير جدا من الحجج التى يحرصون على الترويج لها لأنهم لا يريدون أن يُتَهموا بالتواطؤ مع إيران ونظامها. وهم يقولون إنه عندما قدمت الدول الأوروبية (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) اقتراحا شاملا كان مطلوبا فيه من إيران التخلى بشكل محدد عن تخصيب اليورانيوم، أوضحت طهران أن هذا الطلب غير مقبول وأنه إذا تم الاستمرار فيها فسوف يتسبب فى إنهاء التجميد المفروض على تطوير قدرات التخصيب المقبول فى نوفمبر 2003، وهو ما حدث فى يناير من عام 2006، مع تراجع إيران عن قبولها التأكيدات الخاصة بالبروتوكول الإضافى للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذى وقعت عليها ولكنها لم تصدِّق عليه. ويؤكد الواقعيون أن ذلك حدث حتى قبل انتخاب أحمدى نجاد فى يونيو من عام 2005، وهو ما يشير إلى أن هذا الموقف مسألة إجماع وطنى وليس عمل زعيم أيديولوجى واحد. وترتبط الحجة الثانية التى يقدمونها بالعقوبات الاقتصادية، وهى عدم إقرار الصين وروسيا أى عقوبات شديدة تفرضها الأمم المتحدة وليس لها هدف سوى إجبار إيران على التخلى عن تخصيب اليورانيوم.
وهم يقولون إنهم يصرون لهذا السبب على أن حرمان إيران من حق التخصيب مستحيل وذو آثار عكسية، وأنه ينبغى على الجهود الدولية التحرك فى اتجاه اقتراح وضع سيناريو جديد فى التعاطى مع إيران يتحاشى السيناريوهين الأكثر سوءا والمرتبطين ببعضهما البعض؛ أن تصبح إيران دولة تمتلك السلاح النووى، وتوجيه ضربة ضد المواقع النووية الإيرانية.
أصبحت هذه الأصوات أقوى فى الغرب حتى قبل انتخاب الرئيس أوباما فى الولايات المتحدة، حيث إن الردود العسكرية الأمريكية على الأزمات فى العراق وأفغانستان كانت لها ردود فعل عكسية وجرّت الجيش الأمريكى إلى ورطة لا تزال مستمرة إلى الآن.
وبما إن الرئيس أوباما يتحدث عن سياسة جديدة للمشاركة وبناء أسس للتعاون مع إيران، فإن الواقعيين يرون مقاربتهم على أنها المقاربة الوحيدة التى تتسق مع هذه السياسة الجديدة، لاعتقادهم أنه من غير الواقعى توقع تخفيف إيران لتهديداتها لإسرائيل وتعاونها فى تحقيق الاستقرار فى العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان، بينما قوى العالم الكبرى مازالت تسعى إلى حرمانها من حق التخصيب. وأخيرا يضيف هؤلاء أنه ينبغى التعامل بجدية مع ما تقوله الحكومة الإيرانية من أنها لن تصنع الأسلحة النووية بالرغم من بياناتها السياسية المتكررة وفتوى المرشد العام على خامنئى التى تدين الأسلحة النووية.
من الصعب الآن الاختلاف مع الواقعيين، ببساطة لأن الوقت قد فات إلى حد كبير لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. فإيران لديها بالفعل 7 آلاف جهاز طرد مركزى ووسعت بطرق عديدة برنامجها النووى الذى بات عنصرا أساسيا من عناصر كبريائها الوطنى. باختصار، لن يمنع شىء إيران من أن تصبح دولة تمتلك السلاح النووى رسميا من خلال الخروج الرسمى من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أو بطريقة مستترة. وإذا أضفنا إلى ذلك صورة القدرات الباليستية الإيرانية المتنامية، يصبح من الواضح أن إيران سوف تكون قوة عسكرية كبيرة ضد إرادة المجتمع الدولى. وسوف يوفر ذلك لإسرائيل سببا وجيها تبحث عنه للقيام بعملية عسكرية بمفردها ضد إيران أو لجر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية معها.
من ناحية أخرى، إذا عرضت إيران حزمة اتفاقات، فقد تتضمن المبادلة المكونات الرئيسية التالية: سوف يقبل المجتمع الدولى برنامج التخصيب الإيرانى وسوف يصر على تنفيذ أنظمة مكثفة من المراقبة الدولية على كل مراحل دورة الوقود الإيرانية، تدعمها مجموعة من العقوبات المعقولة المتفق عليها سلفا فى حال المخالفة.
وبالرغم من عدم جرأة أحد، بمن فى ذلك الواقعيون، على استخدام المفاهيم المطبقة على القوى الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، فسوف يصل الترتيب فى الأساس إلى عرض وضع «الاستعداد النووى» أو وضع «قوة العتبة» كذلك الذى تتمتع به اليابان على سبيل المثال، وهو ما يعنى موافقتها على البقاء دون عتبة إنتاج الأسلحة النووية، ولكنها تحتفظ بالقدرة على تخطيها فى وقت قصير. وسوف يفتح هذا التنازل عن البرنامج النووى الطريق أمام دبلوماسية التعاون حيث يكون على إيران تقديم الكثير لإحداث الاستقرار فى الشرق الأوسط.
كان أحد العناصر الأساسية مفقودا حتى الآن فى المفاوضات مع إيران التى تسعى للتوصل إلى حل وسط، وهو أن أيا من القوى الدولية الكبرى لا يذكر ترسانة إسرائيل من الأسلحة النووية المعروفة للجميع رغم الإعلان عنها. وربما يتغير ذلك الآن، حيث ناشدت إدارة أوباما إسرائيل، ومعها الهند وباكستان وكوريا الشمالية، إلى الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. ومع أن هذا قد لا يعنى أن أسلحة إسرائيل سوف تكون موضع تساؤل فى أى وقت قريب، فهو مع ذلك إشارة إلى أن قوام إسرائيل النووى قد يبدأ ربطه من الآن فصاعدا بالاهتمامات السياسية، أى إذعان إسرائيل للالتزامات الدولية لإنهاء احتلال الأراضى العربية والموافقة على حل الدولتين مع الفلسطينيين.
مفارقة هذا الموقف هى أن الحكومات العربية كان صوتها عاليا فى التعبير عن قلقها بشأن الدور الإيرانى المحورى الجديد فى إعادة تنظيم الشرق الأوسط، ما جعل المسئولين الأمريكيين يقومون بجولات فى المنطقة فى محاولة لطمأنتها بأن التقارب مع إيران لن يتم على حساب علاقات تلك الحكومات مع واشنطن.
وفى تلك الأثناء؛ فإن الحكومة الائتلافية الجديدة فى إسرائيل، التى اجتمعت فى المقام الأول على برنامج مشترك لإعطاء أولوية للتهديد الإيرانى، تسعى إلى استغلال المخاوف العربية من إيران لتنمية فوبيا إيران فى أنحاء العالم والإشارة إلى التحالف الكبير الذى يمكن أن تجتمع فيه إسرائيل والدول العربية لمواجهة التهديد الإيرانى. فمن سينقذ العرب من جعل إيران وحشا جديدا بينما سياسات إسرائيل الوحشية مازالت تدمر المنطقة؟