«ليس سر قوة أمريكا فى الأساطيل والطائرات، فهذه هى القوة نفسها، أما سر القوة فيعود إلى وجود أقدم وأهم دستور لا يُمس منذ عشرات السنين ولا يستطيع أحد أن يغيره.
هذا الدستور أعده الآباء المؤسسون لأمريكا من قبل الثورة الفرنسية تحت تأثير قراءتهم لجون لوك وغيره من الفلاسفة». هذا نص ما قاله عالم النفس المصرى الشهير الدكتور مصطفى صفوان، الذى يعيش فى باريس، وتهتم جميع الأوساط العلمية والسياسية بكل تصريحاته وكلماته، والدكتور مصطفى صفوان انشغل مؤخرا بثورات الربيع العربى، وأنجز كتابا هاما بعنوان «لماذا العرب ليسوا أحرارا» صدرت ترجمة عربية له من دار الساقى.
وبالرغم من إشارته فى المقولة السابقة للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ما قاله هو بالضرورة يخص العالم العربى، خاصة الدول التى مازالت تعيش جدل الثورة والتغيير.
فحينما يقول عالم بوزن الدكتور مصطفى صفوان إن قوة أمريكا الحقيقية فى دستورها الذى لا يُمس، علينا أن نتوقف طويلا لنفهم ماذا صنعنا بأنفسنا، فبالرغم من الأخطاء التى ارتكبناها منذ قيام الثورة حتى اليوم.
كان من الممكن أن تزول كل آثار هذه الأخطاء ونتجاوزها ونصحح المسار بسهولة، إلا خطأ الدستور، الذى مازال يطل برأسه فى جميع المشاكل من يوم إلى آخر، فإلى جانب الطريقة المشينة التى تم بها إعداد دستور بليل كئيب، فيما يشبه السرقة، فإن إقراره كان عبر نزاع لا استفتاء ليس خاليا من شبهة التزوير.
ثم تأكد للجميع أن الدستور به من العوار أكثر ما به من الصواب، ويحمل من الاختلاف، أكثر بكثير مما يضم من اتفاق، بل إنه فور إقراره، اعترف رجل قانون له مكانته وشأنه (المستشار محمود مكى) والذى كان يشغل وقتها منصبا سياسيا رفيعا (نائب رئيس الجمهورية) أن بالدستور الجديد ما بين ١٢ إلى ١٥ مادة فى حاجة إلى تعديل، ومنذ أيام خرج الفريق الذى أعد الدستور ووافق عليه وقاتل من إجل إقراره، فقال إن هناك بعض المواد فى الدستور تحتاج إلى تعديل. (علينا أن نتذكر أن الدستور لم يمر على إقراره ستة أشهر).
وإذا ما نظرنا إلى المشاكل التى تجتاح حياتنا السياسية، مثل تصويت العسكريين من رجال الجيش والشرطة (رغم اتفاق الجميع أن الشرطة هيئة مدنية نظامية) وتعديلات قانونى الانتخابات البرلمانية ومباشرة الحقوق السياسية، نكتشف أن المشكلة أيضا بسبب الدستور، بل إن كل حالات الاحتقان السياسى التى تكاد تعصف بالبلاد كلها بسبب هذا الدستور، وهذا ما يعنى أننا مازلنا فى المربع رقم واحد، ولم نتقدم أى خطوات للإمام، ولأنه من المستحيل أن يعترف الذين صنعوا الدستور وأقروه بحجم وفداحة ما فعلوا.
سنظل ندور فى هذه الدائرة الجهنمية المفرغة التى لن تصل بنا إلى أى من شواطئ الاستقرار، إلا إذا كان هناك بالفعل رجال يبحثون عن صالح هذا البلد، ومثلما قال الدكتور مصطفى صفوان إن قوة أمريكا تشكلت عبر سحر دستورها، أو حتى كما قال الإخوان «بالدستور العجلة تدور».. لكن ليس بهذا الدستور الذى فرق بين أبناء الأُمة ونشر الضغينة والبغضاء بينهم، فهل بيننا رجل مُخْلِصٌ مُخَلِّصٌ لنا مما نحن فيه؟