سؤال: ما العلاقة بين تدويل الأزمة السورية وعسكرتها؟
جواب: بحسب كل الشواهد، كلما ازدادت الأزمة تدويلا ازدادت عسكرة!
والعسكرة، مثلها مثل التعريب والتدويل، هى ابنة قرار أصلى للنظام السورى بالرد على انتفاضة شعبية مدنية بقتل المتظاهرين، وصولا إلى قصف التجمعات السكانية بالمدفعية والطيران وتهجير سكانها. ولابد من الاعتراف بأن النظام نجح، إلى هذا الحد أو ذاك، فى تحويل معارضيه إلى «مجموعات إرهابية مسلحة» وفرض هذا التعريف للأزمة السورية على المجتمع الدولى، بالقدر الذى تعبّر عنه منظمة الأمم المتحدة.
لكن المفارقة فى الأمر أن السحر آخذ فى الانقلاب على الساحر. فإذا الجيش السورى الحرّ، المولود من عملية العسكرة هذه، يتحول إلى قوة عسكرية تسيطر على مناطق واسعة من أطراف البلاد وتصل عملياتها إلى عقر دار النظام فى دمشق وحلب. فإذ يعود كوفى انان إلى دمشق بعد أن أعلن فشل مهمته، يعود كى يستأنفها من مدخل وقف القتال وانسحاب المظاهر المسلحة من المناطق السكنية بالاتفاق بين الجيش النظامى والمعارضة المسلحة. فإذ النظام مضطر للتفاوض غير المباشر مع المعارضة المسلحة، عن طريق بعثة مراقبى الأمم المتحدة، وإلى تعيين ضابط ارتباط برتية وزير. هكذا قضى الاتفاق الأخير بين الرئيس الأسد والمبعوث الدولى كوفى انان وبانتظار الشروع بتنفيذه.
●●●
يزيد من طغيان الوجه العسكرى للنزاع أن ملك السعودية وأمير قطر انتقلا منذ وقت من التهديد بتسليح المعارضة إلى تسليحها فعلا. وليس أدل على تسارع العسكرة من أن الإدارة الأمريكية باتت تهدد النظام السورى، فى تصريح لوزيرة خارجيتها، بهجمات نوعية تشنّها المعارضة المسلحة على الجيش النظامى. والتهديد موجّة للطرف السورى بقدر ما هو موجّه لشريكه وحاميه الروسى.
ليس سرّا أن حصة روسيا من العسكرة بدأت مع تبنيها، ومعها الصين، صيغة «المجموعات الإرهابية المسلحة»، قبل توليها هندسة الحل الحربى فى تعامل النظام السورى مع الانتفاضة الشعبية، ورسم الخطط لمحاصرة المدن واقتحامها وتهجير السكان، وتوفير ما يلزم من الأسلحة المتطورة والتسهيلات اللوجستية ووسائل المراقبة والاتصال وسواها.
ولقد تسرّع الذين ينفون أن العلاقات الدولية باتت تحمل فى طياتها عناصر حرب باردة جديدة بين روسيا وأمريكا. ها هم المسئولون الروس يؤكدونها فى معرض النفى. يعلن لافروف أنه لا يتوقع حربا باردة جديدة بين بلاده وأمريكا، مع أنه يقول إن العلاقات بينهما وصلت إلى «درجة حرجة» على صعيد «تحقيق التوازن فى الساحة الدولية». وتعلن موسكو أنها سوف تقاطع الاجتماعات الدولية بخصوص سوريا إلا إذا انعقدت على الأرض الروسية أو فى جنيف الحيادية. ويجمع الرئيس بوتين جهازه الدبلوماسى بكامل أعضائه لإبلاغهم استراتيجية دبلوماسية هجومية جديدة معلنا أن «الغرب يضمحل»، داعيا للإفادة من الفرصة لتحقيق التوازن العتيد مع أنه يستدرك مطالبا بتوخى الحذر فى التعامل مع «أعداء روسيا السابقين خلال فترة الحرب الباردة». ولا يحتاج الأمر إلى قراءة عميقة للغة الاستخباراتية ليتبيّن أن الرسالة المطلوب توصيلها ليست الحذر واللباقة، بل إحياء فكرة أن الغرب هو فى عداد «أعداء روسيا».
ليست مطالع الحرب الباردة الجديدة تكرارا للقديمة. فلا القوى متعادلة فيها ولا الوجه العسكرى هو الغالب. المؤكد أن روسيا تريد الإفادة من كل نقاط الضعف الاقتصادية والاستراتيجية للولايات المتحدة من أجل تحقيق «التوازن فى الساحة الدولية» ضد الانفراد الأمريكى. يتجلى ذلك الآن فى أن تفرض نفسها شريكا لواشنطن فى تقرير مصير الأزمة السورية. لكن الكلفة هنا هى أن نجاح روسيا فى توفير حل لتلك الأزمة بالتعاون مع الولايات المتحدة عن طريق مبادرة انان، وقد سلّمت واشنطن لموسكو بمقاليد خريطة الطريق مع الإصرار على تنحى الرئيس الأسد.
●●●
يجىء فرار العميد مناف طلاس ليضفى لمسة إضافية على نزوع العسكرة الجارف ويعطى المزيد من الدفع لحل يجرى تصويره سياسيا وعسكريا على الطريقة اليمنية. فقائد اللواء ١٠٥ فى الحرس الجمهورى زميل للرئيس الأسد وصديق، وقبله لأخيه باسل، ينتمى إلى الحلقة الضيقة من الجيل الثانى من رجالات النظام بما هو ابن وزير دفاع دهرى فى عهد الراحل حافظ الأسد. للرجل ركيزة فى برجوازية الدولة من خلال شقيقه فراس الذى تموّن شركاته الجيش السورى بالأغذية والألبسة والالكترونيات. وله فى المقابل إطلالة على فرنسا والسياسة الدولية من خلال شقيقته أرملة تاجر السلاح السورى الراحل أكرم عجّة، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة بقادة الحزب الاشتراكى الفرنسى. فلا عجب أن يعلن وزير الخارجية الاشتراكى لوران فابيوس نبأ الفرار ونبأ الوصول إلى باريس.
يتم تدويل الأزمة السورية تحت شعار «مصير الشعب السورى يحققه الشعب السورى نفسه». تستخدمه روسيا ردا على البحث فى تنحى الرئيس الأسد. وتكرز به سائر جوقة المعرّبين والمدوّلين تغطية لتعريبهم والتدويل. ومع ذلك، ليس من قبيل الاستباق أن نتصوّر افتراضا الحل العسكرى المدوّل وقد شق طريقه إلى التنفيذ. انسحب المسلحون، من الطرفين، من المدن والبلدات والضواحى والقرى وعاد إليها الأهالى. فعادوا إلى التظاهر مثلما هم فاعلون الآن من أجل تغيير النظام. من يستطيع منعهم؟ قوى الأمن تطلق النار مجددا على تظاهراتهم ومسيرات التشييع والاضرابات التى باتت أسلوبا جديدا من أساليب الاحتجاج فى المدن المعسكرة؟
●●●
الشعب السورى هو المغيّب مرتين عن الحل، فى التدويل والعسكرة. وهو الشبح الذى يرود فوق هذا وتلك، لإحباط كل تسوية لن تسمح له بأن يحقق مصيره بنفسه.
والشعب السورى «عارف طريقه» على كل حال.
ينشر بالاتفاق مع جريدة السفير اللبنانية