وأما عن طمس الحقائق وفرض عالم متخيل، فيوم الاثنين تناقلت وسائل الإعلام المختلفة قول مدير مباحث السجون، اللواء محمد على حسين، فى اتصال هاتفى مع موقع «أصوات مصرية» أنه لا يوجد أى سجناء مضربين عن الطعام داخل السجون المصرية، وحين سئل سيادته عن الحالة الصحية لأحمد دومة وعلاء عبدالفتاح وسناء سيف أجاب «كل الناس دى بتاكل وتشرب كل يوم عادى جدا، الناس دى لو مضربة عن الطعام كان زمانها ماتت من زمان». ده مدير مباحث السجون فى الدولة المصرية، وبيقول الكلام ده بعد ما المجلس القومى لحقوق الإنسان (اللى هو بتاع الدولة المصرية برضه) أصدر بيانا (قبلها بأربعة أيام) بأن وفدا من أعضائه زار عددا من النشطاء المحبوسين فى السجون بناء على شكوى من أسرة المعتقل أحمد دومة، وأنه (الوفد) أوصى باتخاذ عدة إجراءات حفاظا على صحة المضربين. قديما قال الألتراس «لفق لفق فى القضية/ هى دى سياسة الداخلية»، والمسألة تخطت تلفيق القضايا الآن إلى محاولات تلفيق عموم الحياة.
فى الأسبوع الماضى كتبت أن «الاحتجاز الظالم والحبس الممتد وفقدان الثقة فى منظومة العدالة ــ كل هذا مع تقلص مساحة التعبير عن الرأى والاحتجاج والمطالبة، سيؤدى فيما أعتقد لأن يتبنى أعداد من المواطنين الطلقاء سلاح المحبوسين تضامنا معهم» وقد كان. والمثبت أثناء كتابة هذه السطور (صباح الأربعاء ١٠ سبتمبر) أن عندنا الآن ١٢٣ مضربا عن الطعام، منهم ٥٩ داخل أماكن احتجاز، و٦٤ خارجها.
والموثق عندنا، فى حملة «جبنا آخرنا» وحملة «الحرية للجدعان»، عن أعداد المضربين داخل أماكن الاحتجاز: أبوزعبل ٣٤، طرة ١٣، قسم شرطة الجيزة ٤، سجن النساء بالقناطر ٤، سجن الفيوم العمومى ٢، قسم شرطة مدينة نصر ثانى ١، سجن قنا العمومى ١.
أما المضرب غير المحتجز فيقوم بعدد من الإجراءات، منها إخطار النائب العام بإضرابه ببلاغ رسمى. والبعض يختار أن يعتصم فى مكان معلوم ومعلن (حاليا ١٠ فى مقر حزب العيش والحرية، و٧ فى مقر التيار الشعبى. وكان ٧ يعتصمون فى مقر المجلس القومى لحقوق الإنسان لكنهم غادروا صباح اليوم لحضور جلستهم فى قضية مجلس الشورى). وهناك إلى الآن ٤٠ (أربعين) مضربا وهم يقومون بواجبات حياتهم العادية (مثل ليلى سويف ومنى سيف) من رعاية أسرهم والذهاب إلى العمل وخلافه. وهؤلاء يترددون على أماكن الدعم الطبى للمضربين حيث يخضعون لقياس الضغط والسكر، من ناحية للتأكد من سلامتهم ومن ناحية لتوثيق الإضراب. ونتائج فحوصاتهم معلنة ومنشورة على http://tinyurl.com/ncxp2nl. وأتوقع أن يكون الازدياد فى الأيام القادمة فى هذا القطاع، فكثيرون (فى مصر وفى الخارج) يريدون التعبير عن حزنهم وغضبهم لما آلت إليه أوضاع حقوق الناس، وأوضاع القانون فى مصر، وهم يريدون التضامن مع مضربى «جبنا آخرنا» فى السجون، لكنهم ــ وهذا من طبائع الأمور ــ لا يستطيعون التغيب عن أعمالهم وعن أسرهم، فستكون موجات من الإضرابات المساندة المنتشرة فى المجتمع.
وما نريد تأكيده هنا هو أن المضربين عن الطعام ليسوا محبين للموت، ولا محبين لأذية أنفسهم، ولا هم زاهدون فى الحياة. بالعكس، هم يضربون تمسكا فى الحق فى أن يحيوا حياة كريمة، مع أسرهم وأحبائهم، فى بلد يحترم الإنسان، ويحكمه قانون يوظف لإرساء العدالة وليس لتمكين الظلم من خلال التلاعب التقنى فى النصوص.
ونؤكد أيضا أن تركيز الخطاب والفاعليات على موضوع الحريات فى الوقت الحالى ليس بالمرة إغفالا للأهمية القصوى للموضوعات الاقتصادية، ولا هو ابتعاد عن الأمور التى تهم المصريين وتشكل بالفعل حياتهم اليومية، وإنما هو لاستحالة القيام بأى دور أو فتح أى نقاش فى المجال الاقتصادى أو السياسى فى ظل الغياب التام للحريات. هذا الغياب الذى نستشعره جميعا، فلا يمر يوم دون أن تمر على وعينا نتفة قصة تظهر كومضة تختفى فتترك وراءها إحساسا بعالم مظلم يسيطر عليه ناس لا أفهم كيف يمشون بيننا محسوبين على صنف البنى آدم.
لن أحكى، ولن أحصى وسأكتفى هنا بالإشارة إلى مكان واحد فقط وليس وحيدا، وهو عنبر H4 فى سجن العقرب. أعفيكم من التفاصيل، فقط أخبركم أننا نسمع أن به زنازين تحت الأرض مساحتها متر ونصف فى متر ونصف ولا تدخلها الشمس ولا يسمح للمحبوس فيها بالتريض أو الزيارة أو الرعاية الطبية ــ وأن الناس يحبسون فيها بالأسابيع. ونعلم أن هناك مثلها فى سجون أبوزعبل وغيرها.
تبدو الداخلية كالعدو الأول للمواطنين. وهى عدو بلا شك، لكن الحقيقة أن المشكلة الكبرى ــ قانونيا وأخلاقيا ــ هى فى الغطاء الذى توفره مؤسسات العدالة لممارسات الداخلية. وأعود هنا إلى فقيدنا الكبير، فقد سألت أحمد سيف منذ حوالى شهرين، ما هى الخطوات أو المطالب التى، إن تحققت، بدأنا فى إصلاح ما فسد فى القضاء، فتفضل وأعطانى القائمة الآتية، أرى أنها تستحق أن نطالب بها كلنا اليوم:
١ــ المطلوب الآن وبشكل ملح تنفيذ الدستور فيما قرره من مسئولية الدولة عن التعويض عن اخطاء مرفق العدالة من قبل النيابة العامة والقضاء
٢ــ مطلوب وضع سن حد اقصى لتولى المناصب الإدارية والاشرافىة لتجديد دماء المسئولين، مع استمرار من تجاوز هذه السن فى منصة القضاء
٣ــ الإعلان ــ وبشفافية تامة ــ عن نسبة تعيين قضاة من خلفيات شرطية
٤ــ ضمان استقلال حقيقى للقضاء بحيث لا يسمح بترك قضية دون النظر فيها اكثر من ٢٠ عاما
٥ــ عدم جواز تولى منصب القضاء لمن شغل موقعا تنفيذيا (مثلا: رئيس جمهورية مؤقت)
٦ــ عدم جواز تفويض الجمعية العمومية لصلاحياتها لرؤساء المحاكم
٧ــ إلغاء الدوائر التى شكلت خصيصا لقضايا معينة كدوائر الارهاب
٨ــ عدم جواز انعقاد المحاكمات أو التحقيقات فى أبنية الشرطة كمعسكرات الأمن المركزى أو معهد أمناء الشرطة
وختاما، فالتعليق على الأحكام جزء أصيل من حرية التعبير، وهو من حق الشعب الذى تصدر الأحكام باسمه.