لا أحد يخلو من همٍّ.. ولا حياة تستقيم إلا بين كفتى ميزان عدل يوازن بين الفرح والحزن ويعدل بين الألم والتعافى. يمرض الجسد ويعانى الإنسان لكن إذا ما احتفظ بروحه محلقة عاده الأمل فعاوده التعافى ونهض من كبوته سليما معافا مقبلا على الحياة مرحبا بها.
كانت الكتابة دائما وسيلتى الأحب والأكثر صدقا فى التعبير عن نفسى، فإذا افتقدت من أكتب له كتبت إلى نفسى أخاطبها وأحاورها.. حينما أعاود قراءة ما كتبت: ربما أغلبها لكنها دائما ما غلبتنى بتلقائيتها وصدقها.
اليوم أكتب لكل من ألمَّ به ما يطلق عليه العلم تعبير كرب ما بعد الصدمة. ذلك الألم النفسى الذى يبلغ بالإنسان حد الاضطراب الذهنى وما يراه الأطباء من سلوك نفسى مؤلم يبلغ مداه بعد التعرض لحادث أو صدمة عصبية، وكثيرا ما يرى فى أيام ويلات الحروب أو الكوارث الطبيعية، أيضا يمكن أن يداهم من تعرض لفقد عزيز لديه فى ظروف قاهرة كأم كان لها أن تفقد وحيدتها بعد مرض عضال قصير فاجأ الجميع بشراسته التى افترس بها شبابها اليانع ما دون رحمة.
الواقع أن ما أتحدث عنه اليوم يمكن أن يمر به أى إنسان فى أى مجتمع لكن الجميع بلاشك سيشترك فى صور مختلفة بقدر من الاضطراب والألم والحزن الذى سيلقى بظل ثقيل على أيامه وما يعيشه من أحداث على الإنسان أن يكون مهيئا لمشاركة الآخرين آلامهم وأحزانهم خاصة من هم حوله من أفراد أسرة وأصدقاء.
كيف يمكن للإنسان أن يتهيأ لتلك المسئولية الإنسانية الفريدة التى يتبناها الإنسان بشجاعة لا يدفعه إليها إلا نبل أخلاق استثنائى؟ هى والله مسئولية إنسانية عظيمة لا يجزى بها إلا الله تعالى سبحانه.
قد يبدو الأمر أسهل نسبيا فى المجتمع الغربى، حيث يمكن الحصول على استشارة نفسية من مختص طبيبا كان أو اخصائى صحة نفسية، قد يتبعها جلسات نفسية بهدف استعادة هدوء النفس الذى فقده الإنسان من جراء الصدمة التى تعرض لها.
لكن الأمر قد يبدو بالفعل فى مجتمعاتنا الشرقية أقرب للنفس والروح أكثر دفئا وأعمق أمرا، خاصة إذا ما تفهمنا بالفعل ماذا يعنى اضطراب ما بعد الصدمة، وكيف يمكننا الاقتراب والتعامل مع إنسان عزيز يعانى منه.
ــ كن مستعدا دائما للاستماع ولكن لا تضغط على الإطلاق لتغيير الأفكار، وابذل كل جهد صادق ليشعر الإنسان برغبتك فى الاستماع إليه.
ــ اختر الوقت المناسب للحديث والمكان الذى يجب أن يخلو مما يتسبب فى المقاطعة أو التشتت. استمع بإصغاء واستفسر بهدوء وتجنب تماما التخمين أو إعطاء النصائح التى يتبادلها الجميع فى تلك المناسبات الصعبة.
ــ أعرف دائما أين تصمت وأين تأخذ بعضا من الوقت للراحة إذا ما بدا الأمر صعبا عليك، فبدون شك ذلك أمر قد لا يطيقه إلا إنسان صبور محب للخير يتمتع بإنسانية عالية.
لا تتردد دائما فى تنبيه الإنسان إلى أن له حقا فى أن يتخلص من تبعات أحزانه، وأن له حق لدى أسرته وأصدقائه يكفل له هذا ويجعلهم يقدمون عليه بأريحية طبيعية.
لا أظنه الآن خفيا على من يقرأ كلماتى اليوم أنى أنا التى تمر بتلك اللحظات الصعبة مع صديقة أثيرة لدى اختار الله لها قدرا هو وحده يعرف معناه.
أدعو الله دائما أدعية تلقائية تسرى على لسانى فى لحظتها ولا أتعمد على الإطلاق ترديد أو حفظ أدعية يدعو بها غيرى وتسجلها ذاكرة الغير، لكنى دائما ما احتفظت بكلمة بديعة قالها مرة الشيخ الشعراوى ــ رحمه الله ــ فى حديث له عن الحزن والهم: قال «حاصروا الهم والحزن.. إياكم أن يتمكنا منكم.. ضعوهما فى صندوق واحكموا عليهما جيدا، وإغلاقهما بمسمار من الرضا».
فى التسليم والرضا راحة توقف سريان شرخ الحزن فى الروح وتتيح التئام الجرح وإن بقى الأثر.