نشرت صحيفة الرياض السعودية مقالا للكاتب بدر بن سعود بتاريخ 10 نوفمبر تناول فيه أضرار التغيرات المناخية على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والصحى على الدول النامية، داعيا الدول الكبرى أن توفر التمويل اللازم للدول الفقيرة لمواجهة تداعيات الاحتباس الحرارى.. نعرض من المقال ما يلى.
قمة المناخ فى شرم الشيخ المصرية بدأت فى السادس من نوفمبر الحالى وستستمر لأسبوعين، وهذه القمة تحمل الرقم السابع والعشرين فى قائمة قمم المناخ أو كوب 27 مثلما يسمونها، وقد تزامن معها عقد القمة الثانية لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، وذلك برعاية مشتركة من سمو ولى العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، والقمتان تعبران عن أولويات العالم فى المرحلة المقبلة، فقد ركزت قمة المناخ المصرية على مسألة الأضرار والخسائر، وأدرجتها ولأول مرة على رأس جدول أعمال القمة، ووفق مبدأ العدالة المناخية، التغير فى المناخ تتحمل مسئوليته الدول الغربية وثورتها الصناعية بالدرجة الأولى، ومن الواجب عليهـا أن تدفع الفاتورة للدول الفقيرة التى تضررت بفعل تصرفاتها، وستعمل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر على خفض انبعاثات الكربون وإعادة تدويره، وبما يحقق الحياد الكربونى، وعلى زراعة 50 مليار شجرة فى المملكة ودول المنطقة، واستصلاح عشرة ملايين كيلومتر مربع من الأراضى المتدهورة بفعل الرعى الجائر والتصحر والجفاف، واستخدام الوقود النظيف فى الطهى وبما يفيد 750 مليون شخص حول العالم، مع دعم سعودى للمبادرة بقيمة مليارين ونصف المليار دولار، وكلتا القمتين ستسهمان فى معالجة ظاهرة الاحتباس الحرارى أو تحولان دون تفاقمها بأقل تقدير.
دول مجموعة العشرين، وفق ما أوردته «بى بى سى» البريطانية، وتحديدا أمريكا والصين والهند تتحمل ما نسبته 75 % من انبعاثات الكربون المؤدية إلى الاحتباس الحرارى، ودول المجموعة الأفريقية التى تمثلها مصر فى القمة لا تتحمل إلا 4 % من هذه الانبعاثات، والدول النامية تمثل أكبر كتلة تفاوضية لأنها تضم 134 دولة، ومعظمها استبدت بها الظروف المناخية الحادة ومضاعفتها، واللافت أن إدارة بايدن تعهدت فى عام 2021 بتقديم إعانات بقيمة 11 مليار دولار لمساعدتها فى أزماتها البيئية، ولم يصل إلا مليار واحد لا أكثر.
أمريكا وأوروبا منشغلتان بأزمة أوكرانيا، وبإعادة توجية الأموال للأوكران، وبالعودة مجددا لاستهلاك الوقود الأحفورى والفحم الحجرى، ومن الأمثلة، ألمانيا وفرنسا وهولندا، ورجوعها للاعتماد على الفحم الحجرى رغم الاتفاق الأوروبى بإيقافه فى 2030، وحتى أمريكا تراجعت عن قيودها على النفط الصخرى، والدول الصناعية الكبرى قدمت التزاما فى قمة باريس عام 2015، ووعدت بأنها ستوفر مائة مليار دولار سنويا للدول النامية حتى 2025، وبما يمكنها من التكيف مع التغيرات المناخية، ولكنها لم تدفع دولارا واحدا منذ التزامها ولا أتصور أنها ستدفع.
فى دراسة لجامعة ستانفورد الأمريكية، قام باحثون بتحديد العلاقة بين معدل الدخل والتغير المناخى فى 19 دولة طوال خمسين عاما، ولاحظوا أن الدول التى زادت انبعاثاتها ارتفع فيها معدل دخل الأفراد بنسبة 13 %، وأنها كانت من الدول الصناعية، وفى المقابل، الدول التى قلت انبعاثاتها المضرة بالبيئة، تراجع فيها دخل الأفراد بنسبة 27 %، وكلها من الدول النامية، بخلاف أن تغيرات المناخ، حسب منظمة الصحة العالمية، تؤثر على صحة الشعوب النامية، لأن أنظمتها الصحية ليست متطورة، ما يجعل أمراض كالكوليرا والملاريا قاتلة لهم، والتغير المناخى يربك التوازن الفسيولوجى والسيكولوجى للناس وقد يؤدى بهم إلى الانتحار والقلق والعنف، وبطبيعة الحال، معدل إنتاج الغذاء العالمى سيتأثر، ما سيؤدى حتما إلى صراعات وحروب أهلية وإرهاب وعدم استقرار، وهذا سيحدث فى الدول النامية بدرجة أكبر، وستكثر حالات الهجرة والنزوح.
العشرة أعوام السابقة كانت الأسخن فى تاريخ الأرض، مقارنة بالمائة والعشرين ألف عام الماضية، والسبب أن الغازات الدفيئة وصلت لأعلى مستوياتها منذ أربعة ملايين عام، وزيادة حرارة الأرض أذابت الجليد بمستويات قياسية وصلت إلى تريليون طن فى العام، وهو ما سيرفع من مستوى البحار والمحيطات، وسيزيد من احتمالات الكوارث الكابوسية على المناطق الساحلية، بالإضافة إلى أن الميكروبات والفيروسات المتجمدة فى طبقات الجليد ستبعث من جديد، وستظهر أمراض لا يملك الإنسان مناعة ضدها، واستمرار الأوضاع المناخية الحالية من دون تغير، سيؤدى بالتأكيد إلى انقراض قرابة 50 % من كل الكائنات الحية فى 2050، وسيكلف العالم خسائر تقدر بنحو 14 % من الناتج الإجمالى العالمى، أو ما يصل إلى 23 تريليون دولار، وفق ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز.
التغيرات المناخية تنتهك حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وتعتبر، فى رأيى، الأهم ضمن منظومة الحقوق، والمواجهة معها تحتاج صناديق تعويضات للدول الفقيرة، وبما يساعدها على التعايش مع مشكلات الاحتباس الحرارى، وفى العام الحالى، داهمت التقلبات الجوية نتيجة للاحترار، العراق والسودان وباكستان وبنجلاديش وماليزيا وكينيا وموزمبيق وروندا وبوليفيا، وكلفتها خسائر بمليارات الدولارات، ولم يلتفت أحد لمساعدتها بصورة كافية.