انتصارنا ليس بأن ينتصر أحدنا على شريكه فى الوطن من أتباع دين مخالف أو أيديولوجية منافسة. انتصارنا هو أن ننتصر أولا على ضعف أنفسنا وعلى رغبتنا فى أن يكون عدونا هو شريك لنا نجعله فى خصومة معنا.
بعد وفاة والدى تساءلت: «هو الناس عايزة من الدنيا إيه؟» لا أدعى زهدا، ولكن هو فقط سؤال منطقى. ما الفارق بين أن يموت الشخص وعنده فى البنك ألف جنيه أو ألف مليون جنيه. ولو معك ألف مليون جنيه، كم قطعة من الملابس تلزمك؟ وكم وجبة طعام ستأكلها؟
حين أجتمع مع بعض السياسيين المتنافسين فى الانتخابات أحس أن الفوز فى الانتخابات قيمة فى ذاتها مع أنى أراها مسئولية استثنائية لا مجال للنكوص عنها، ولكن أرى أن من أعفى عنها قد تجنب امتحانا شاقا للغاية. ومع ذلك ليس هكذا تجرى الأحداث على الأرض: لم يزل هناك من يستأجر البلطجية ويدفع الرشاوى ويفعل كل ما هو مجرم قانونا ومحرم شرعا من أجل عرض زائل ولكنه فى عينه عظيم.
حين سأل ابن الشيخ الشعراوى أباه وكان وزيرا للأوقاف فى السبعينيات: «لماذا لست حريصا على أن تظهر فى التليفزيون وأن تظهر أخبارك فى الصحف كثيرا مثل الوزراء الآخرين؟» فكان رد الشيخ، رحمة الله عليه: «اللى عملناها له، علم بها».
وهو معنى نبيل يجعلنا نفكر فى معنى إخلاص العمل لله، وليس للانتصار على المنافس أو إزكاء النفس. ولو كان لا بد من الانتصار، إذن فليكن جهدنا جميعا فى معركة مشتركة ضد الفساد والجهل والأمية والمرض وعدم احترام قيم العمل والاجتهاد وخدمة المجتمع.
لو معى عصا سحرية لطلبت من كل الفضائيات والصحف أن تلتزم لمدة أسبوع واحد فقط بأن «تقول خيرا أو لتصمت.» والخير الذى أقصده أن تتوقف عن تشويه واقعنا وأشخاصنا ورموزنا، وألا تبرز فينا إلا كل ما يحض على العمل والعطاء وأن تجعل خصومتنا الحقيقية مع ضعف نفوسنا وآدائنا ونزعتنا نحو تحقيق المصالح الخاصة.
قال لى صديق عليك أن تستضيف فى برنامجك التليفزيونى أناس لها مواصفات معينة لأن هذا سيجعل البرنامج يأتى له إعلانات أكثر وتدخل فى المنافسة الحقيقية مع البرامج التى تفعل ذلك.
وجدتنى أرد بمنطق أن برنامجنا (أى زملائى ومعهم جهدى المتواضع) ليس فى منافسة مع أحد على شىء. نحن، ومعنا آخرون أفضل منا، فى خصومة مع أمراض مجتمعنا التى لو لم نزحها من نفوسنا قبل أن نسعى لإزاحتها من المجتمع لمارسنا النفاق الشخصى والإعلامى. لا أتصور أن يخطط أحد لأن يترك السفينة تغرف وينجو منها راكب واحد، هو نفسه. لا بد أن يكون اجتهادنا فى خدمة كل السفينة. واجبى ليس أن أحقق منافع ذاتية مهولة، ويخسر الوطن بسبب عنتريتى المصطنعة وحساباتى الخاصة. السعادة فعل جماعى، والجماعة فى هذه الحالة هى مصر.
وهو نفس ما يقال للقوى السياسية والنخبة المنتحبة: فلنتوقف عن الحسابات الضيقة، ولنعمل لله ثم الوطن والحياة الكريمة للجميع وليس لأنفسنا.