العالم أصبح كرجل كبير وضخم ومفتول العضلات ولكن قلبه صغير ومتناهى الصغر هو كبير بالتكنولوجيا التى أوصلته إلى القمر وغيرها من الكواكب ووصل إلى درجة كبيرة فى التقدم العلمى والفنى ومع ذلك مصاب بنهم كبير فى الإنفاق والاستهلاك والهدر ويتبارى فى إدخال قيم وإخلاقيات جديدة على الإنسان والإنسانية ويرى نفسه كبيرا وضخما ويشعر أنه الأعظم والأكبر والأقوى وربما أصبح خارج السيطرة بينما قلبه المتناهى الصغر أصبح لا يسع لآخر فانغلق على ذاته وأنانيته وذلك بفضل الساسة وأنانيتهم وتفشى الانتهازية السياسية على حساب «الإنسان» والإنسانية بدء من الإنسان فى شعوبهم.
لا يمكن حصر الحضارة على الجوانب المادية؛ فالقلاع والقصور والمبانى الشاهقة والأسلحة المتقدمة بأنواعها أو اختزالها فى أنماط سياسية واجتماعية لا تصنع وحدها حضارة ولكن الحضارة هى أسلوب حياة وأسلوب تعامل مع الآخر أى الأخ فى الإنسانية.
لذا أتساءل هل الحضارة الغربية هى «حضارة» بملء مقومات الحضارة؟ إذا نعم فكيف نبرر أن تعاملها مع الآخر – أى الشعوب الأخرى – غير حضارية بل تقوم على الانتهازية السياسية والاقتصادية والتمييز بل الفوقية إذ يرون أنفسهم على أنهم متفوقون ومتميزون عن الحضارات والشعوب الأخرى التى يعتبرونها همجية أو دونية أو متأخرة، ويعتقد كثير من العلماء منهم جورج هيجل الفيلسوف الألمانى (أوائل القرن التاسع عشر) أن انحدار الحضارة إلى جانب سوء استخدام الأرض والمصادر الطبيعية وأيضا العنصرية والطبقية فهذه تمنع من نشر الحضارة فى نسختها الأصلية أى الـ «إنسانية» أى تختص بالإنسان دون غيره من الكائنات وهذا هو القاسم المشترك بين كل الحضارات فى الماضى، ويرى الفيلسوف الإنجليزى أرنولد توينبى أن انحدار الحضارة يكون بسبب انحلالها.
الحضارة ليس مقياسها فى عدد الصواريخ والدبابات والرءوس النووية أو حتى التقدم العلمى ولكن مقياسها فى مدى خدمة كل ذلك للإنسان والارتقاء بإنسانية الإنسان. الحضارة الحقيقية هى التى تقدم ما يفيد الإنسان وتقدم حضارة والحياة ليست حضارة الموت والبغض والحرب.
اليوم لا نستطيع أن نقول إن هذه شعوب متحضرة وتلك شعوب متخلفة فالدول التى يقال عنها متحضرة لها سلوكيات متخلفة ومنغلقة وأنانية بينما الدول والشعوب التى يقال عنها متخلفة نجد أن لها حضارة من القيم واحترام الإنسان والطبيعة والإخاء والتضامن ومشاركة مع الغير وهذا ما نريد أن نؤكده لأنفسنا ونحن نشهد ما يجرى فى العالم هذه الأيام.