قبل أن يودعنا، نعى إلينا المفكر الاقتصادى الراحل رمزى زكى الطبقة الوسطى فى كتابه الأخير «وداعا للطبقة الوسطى».
كان رأيه أن هذه الطبقة تتآكل بسرعة حتى توشك أن تنقرض، ليس فى مصر فحسب، وإنما فى العالم كله.
وقد نظر دائما إلى هذه الطبقة بوصفها «رمانة الميزان» فى أى مجتمع، فهى التى تقود تحولاته، وتحمل على أكتافها تطلعاته نحو حياة أفضل، واختلفت مصادر إعداد وتجهيز هذه الطبقة من مرحلة إلى أخرى، وبقى التعليم مصدرا أساسيا من مصادر تشكيلها، وقت أن كان التعليم وسيلة للارتقاء فى المجتمع وتحقيق الطموحات المشروعة للناس.
إلى هذه الطبقة ينتمى «جيل» المفكريين التنويريين الذين سعوا إلى وضع أسس نهضة شاملة فى النصف الأول من القرن العشرين وأواخر القرن التاسع عشر، وفيما بعد، حين أتيح لقطاعات واسعة من المصريين أن يتلقوا تعليما جامعيا مجانيا، فإن أعداد المنتمين إلى هذه الطبقة تزايدت، وتزايدت معها طموحاتهم، كما انكشفت سوآتها بوصفها واقعة بين طبقتين: عليا، تمسك بتلابيبها وتتشبث بها؛ حفاظا على ماحققته من مكاسب، ودنيا، تجاوزتها وتجاهد ألا تدانيها.
وبصفة عامة، فإن التعليم لم يعد وسيلة للارتقاء فى السلم الاجتماعى، فقد دوره أو كاد، وأفرزت مصادر تكوين الثروة فى العقود الثلاثة الأخيرة طبقة جديدة، صعد أفرادها عبر مراكمة الثروات من السمسرة وبيع الأراضى وربما الأعمال غير المشروعة، وهاجر أبناء الطبقة الوسطى يبحثون عن حلول فردية لمشكلاتهم فى بلاد النفط، وحين عادوا، ارتمى بعضهم فى أحضان الطبقة الجديدة، وآثر آخرون اليمين المتأسلم فى صيغته الوهابية، وانغلق قطاع ثالث على نفسه غير عابئ بما يجرى خارج حدود داره.
وقد حاولت أن أبحث عن مسمى «يوصّف» ما آل إليه حال هذه الطبقة، هل أسميها منهارة، منسية، زائلة، حتى أسعفنى عنوان كتاب أمريكى، نشرت الصحف عرضا لمحتواه أخيرا، يحكى عن 57 مليون أمريكى يعيشون على حافة الفقر، فلا هم فقراء، ولا هم أثرياء، ولا هم مستورون، وقد أسماهم المؤلف «الطبقة الضائعة»، فأبناء هذه الطبقة لا يستحقون الاستفادة من البرامج الحكومية المخصصة للفقراء لأنهم ليسوا كذلك، كما أنهم غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة فى ظل الارتفاعات المستمرة فى الأسعار.
أبناء هذه الطبقة ليسوا فقراء لكنهم قريبون جدا من حد الفقر، وهم الأغلبية بين سكان المحروسة، وأعدادهم مرشحة للزيادة فى ظل رؤى حكومية قاصرة، وتشريعات وسياسات تخدم فئة محدودة جدا من المصريين.
كيف نستعيد الطبقة الوسطى؟
هذا برأيى سؤال المستقبل.