من الأخطاء الشائعة لدى كثيرين قولهم إن إرهاب داعش والقاعدة وأمثالهما سببه نقص الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وغياب التنمية أو إلى الفقر الشديد أو غياب لغة التسامح وقبول الآخر.
هذه الأسباب صحيحة تماما مع العديد من الحركات والتنظيمات والاحتجاجات العنيفة والسلمية فى بلدان كثيرة بالعالم، لكنها لا تنطبق بالمرة على داعش وبقية التنظيمات المتطرفة، خصوصا القاعدة. داعش لا يرتكب عملياته الإرهابية بسبب غياب التنمية، لأنه على سبيل المثال يعرقل الحد الادنى من التنمية الموجودة فى سيناء، ولا يقتل فقط رجال الجيش والشرطة وقادة القبائل، بل يقتل المقاولين والعاملين فى مشروعات البنية التحتية فى شمال سيناء من طرق وجسور ومنشآت مدنية. هو تنظيم يحارب الحياة بكل صورها، وبالتالى فقضية التنمية لا تشغله من قريب أو بعيد.
كما أن الفقر ليس سببا بالمرة لقيام داعش والقاعدة بعملياتهم، والدليل أن كثيرا من الذين انضموا إليهم أغنياء وحاصلون على مؤهلات عليا وفوق عليا وبعضهم كان شديد الثراء أو يشغل وظائف عليا ومرموقة، ودليل ذلك أسامة بن لادن نفسه مؤسس تنظيم القاعدة.
أما عن التعلل بغياب الديمقراطية والتعددية فإن داعش هو آخر تنظيم فى العالم يمكن أن يطالب بذلك!!. هو يحارب أساسا من أجل منع ذلك، ويراها كفرا بواحا. التنظيم يحارب التعددية أيضا، ويراها خروجا على الشرع، فالسلطة فقط للخليفة أو الإمام أو الداعية. داعش وأمثاله أيضا يكفر بالحريات وحقوق الإنسان، بل يراها بدعا وخروجا على شرع الله وينبغى مقاومتها بكل الطرق.
لا يمكن أيضا أن نغزو سبب إرهاب داعش إلى غياب التسامح، فأنصاره المنتشرون فى أوروبا وأمريكا يتمتعون بأفضل مناخ من الحريات والتسامح، وهم مقبولون فى هذه المجتمعات وكانوا يؤدون عباداتهم وطقوسهم الدينية بكل حرية، رغم كل تطرفهم، ومع ذلك فإنهم يحاربون هذه المجتمعات بعمليات إرهاب عشوائية ويرونها «دارا للكفر» وشاهدنا عملياتهم الارهابية فى مدن وشوارع فرنسا وبلجيكا وألمانيا وأمريكا والسويد.
لكن المفارقة أن داعش ــ الذى يتمتع بعض انصاره بكل الحريات فى اوربا ــ لا يقبل أى آخر خصوصا «الاخر الاوربى». وإذا كان هذا التنظيم يحارب القاعدة أحيانا وبقية التنظيمات المتطرفة، ويكفر العديد من التنظيمات الإسلامية، فما بالك بموقفه من الأحزاب المدنية والعلمانية، وما بالك أكثر بموقفه من المسيحيين واليهود وانصار الديانات الوضعية غير السماوية؟!.
وحتى لا يفهم كلامى بالخطأ، وبعيدا عن سياقه، أسارع بالقول إن غياب الحرية والديمقراطية والتعددية والتنمية ومحاربة الفقر، هى أسباب مهمة لاستقطاب التنظيمات المتطرفة، للعديد من العناصر خصوصا الشباب. لكن هذه الأسباب ليست هى التى يتحرك من أجلها داعش والنصرة وغيرهما من المتطرفين. بل ازعم أنها ليست أسبابا أصيلة لجماعة الإخوان حتى لو رفعت هذه الشعارات مرارا وتكرارا. ظنى ان الجماعة ربما استخدمتها كلافتات ودعايات لايهان البسطاء، او التملص والخداع لتهرب من مخالفة بعض القوانين، او استخدمتها لمغازلة الآخرين خصوصا فى الغرب للوصول إلى السلطة، أو كتذكرة سفر فى اتجاه واحد، كما فعلت تجارب إسلامية أخرى منذ قيام الثورة الاسلامية فى إيران فى فبراير 1979 .
مرة أخرى علينا ألا نتوقف عن مطالبة الحكومة والمجتمع بضرورة تطبيق الديمقراطية وإشاعة الحريات والتنمية الشاملة التى تحارب الفقر، حتى نجفف منابع التطرف. لكن علينا ألا نلتمس أعذارا لداعش وغيره وندعى من دون قصد طبعا ــ أنهم من عشاق التعددية وحقوق الإنسان والتنمية الشاملة.
التماس الأعذار للإرهاب يطيل من عمر المعركة، قبل أن يتم القضاء عليه فى النهاية إن آجلا أو عاجلا.