على مسار تصادمى - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:11 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على مسار تصادمى

نشر فى : السبت 12 مايو 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : السبت 12 مايو 2018 - 9:25 م

لن نبكى على رمى وثيقة العمل المشترك المسماة «الاتفاق الإيرانى» فى سلة مهملات التاريخ. ولادة هذا الاتفاق كانت خطيئة. لقد غيّرت الإدارة الأمريكية فى ظل حكم أوباما رأيها، وبدلا من أن تحاول التوصل إلى تفكيك القدرة الإيرانية فى مجال تخصيب اليورانيوم فى إطار الاتفاق، وقّع الأمريكيون اتفاقا يقضى بأن تُخصب إيران كميات أقل وبأن تقبل نظام رقابة مشددة. لقد كان هذا اتفاقا سيئا للعالم ولإسرائيل، وسيئاته أكثر من حسناته.

السؤال الكبير المطروح هو: ماذا بعد؟ وفى الأساس ماذا سيفعل الأوروبيون الذين قرروا البقاء ملتزمين بالاتفاق؟ تعترف دول أوروبا علنا، وبصورة مفصلة أكثر فى أحاديث مغلقة بأن الاتفاق مليء بالفجوات، لكنها تفضله على واقع لا يوجد فيه اتفاق. ومن المحتمل أن الأوروبيين يريدون المحافظة على الإطار وإصلاح الفجوات، مثل: وقف التطوير والتجارب الصاروخية، وبالتأكيد فرض رقابة أفضل، بالأساس على المنشآت العسكرية. وبعد الكشف عن الأرشيف النووى الإيرانى، ربما سيعيد الأوروبيون الإيرانيين إلى حجمهم، ويطالبونهم بالإجابة على الأسئلة التى تهربوا منها حتى الآن. ومن المحتمل أيضا أن يعودوا إلى الرئيس ترامب لإقناعه مجددا بإطار الاتفاق، لكن من الصعب رؤية نجاح مثل هذا المسعى الأوروبى من دون ضغط كبير جدا، لذا من المعقول أكثر أن تبقى الولايات المتحدة وحيدة.

المعضلة الداخلية ــ الإيرانية
السؤال الأساسى هو ماذا سيفعل الإيرانيون؟ هل سيحافظون على الاتفاق ويتقيدون به بدقة متناهية، كى لا يعطوا الولايات المتحدة ذريعة لاتخاذ خطوات متشددة ضدهم؟ أم أنهم سيحاولون استغلال خروج الولايات المتحدة للدفع قدما بخطوات فى المجال النووى، لعلمهم بأن ليس لدى الأمريكيين حاليا رغبة فى توظيف جهود فى الشرق الأوسط. القرار الإيرانى سيتأثر أيضا بنتائج المفاوضات مع كوريا الشمالية. وكلما أظهر الرئيس الأمريكى تصميمه حيال بوينغ يانع، سيكون من الأسهل على الأوروبيين عرض مطالبهم على الإيرانيين. فى الحالتين تعتمد المفاوضات على صدقية الرئيس وإصراره.
سيثير قرار الرئيس ترامب صراعا داخليا فى إيران بسبب تأثير العقوبات. وسيدور الصراع بين مؤيدى الخط المتشدد، بزعامة الحرس الثورى، وبين مؤيدى الرئيس روحانى، الذين سيفضلون المحافظة على إطار مشترك للعمل مع أوروبا وعدم مفاقمة التحدى الاقتصادى الذى تجد إيران اليوم صعوبة فى مواجهته. وتزداد الأمور تعقيدا فى ضوء الضربات التى تعرّض لها الإيرانيون فى سوريا، والخجل الذى يشعرون به بعد الكشف عن نجاح الموساد فى التسلل إلى قلب مكان مغلق وحساس جدا. يدرك الرئيس الإيرانى الذى يقود الاقتصاد فى بلاده حجم الأضرار التى يمكن أن تتسبب بها العقوبات الأمريكية، وهو بالتأكيد سيحاول أن يلقى التهمة على الحرس الثورى، بحجة أن مفاقمة الصراع ضد إسرائيل فى سوريا والتدخل فى اليمن والعراق هما اللذان أدّيا بين أمور أُخرى إلى قرار ترامب.

فى نهاية الأمر من السابق لأوانه معرفة إلى أين سيؤدى الخروج من الاتفاق. بالتأكيد سيكون هذا صعبا على إيران، لكن نظرا إلى أنه ليس فى هذا القرار أى توجّه نحو تقليص التدخل الأمريكى فى الشرق الأوسط، فإن ما يبدو هو أنه لن يغيّر شيئا جوهريا، إلاّ إذا قدم الإيرانيون للرئيس ترامب ذريعة كى يعمل ضدهم بصورة أكثر عنفا.
هنا يدخل إلى الصورة الواسعة جهد طهران لبناء «آلة حرب إيرانية» فى سورية، نسخة عن قدرة حزب الله فى لبنان، لكن بقيادة الحرس الثورى وسيطرته. لقد قررت إسرائيل عدم ارتكاب الأخطاء التى أتاحت بناء حزب الله كما هو عليه اليوم، تنظيم لا دولتى يملك 120 ألف صاروخ وقذيفة، وهذه كميات لا مثيل لها فى أغلبية دول العالم.

لقد تفاقم هذا الصراع على أرض سوريا بعد سلسلة خطوات قام بها الطرفان، بدأت قبل وقت طويل من قرار ترامب: فى فبراير من هذه السنة أطلقت إيران طائرة من دون طيار محملة بمواد ناسفة فى اتجاه إسرائيل. وقد جرى اعتراض الطائرة، لكن الإيرانيين أوضحوا بعملهم هذا استعدادهم للمجازفة بالدخول فى مواجهة مباشرة مع إسرائيل. وهاجم سلاح الجو الإسرائيلى مقر قيادة الطائرة من دون طيار فى زمن وقوع الحادثة. وقبل بضعة أسابيع، وبحسب مصادر أجنبية، عمل سلاح الجو فى المنطقة عينها فى قلب سوريا (T4)، وقتل عددا من الإيرانيين بينهم شخص برتبة عالية. توعدت إيران بالرد، لكن منذ ذلك الحين ضرب سلاح الجو عدة أهداف إيرانية، ويبدو أن الرد المخطط له تعرقل.
الهجوم الذى وقع فى الليلة التى تلت خطاب ترامب له علاقة بالاستعدادات الإيرانية الأخيرة للهجوم على إسرائيل. وقد أدى ضرب مخازن الصواريخ إلى ضعف الرد الذى جاء ليل الأربعاء الخميس إلى حدّ أن أغلبية الصواريخ التى أُطلقت على خط المواقع فى هضبة الجولان اعترضها الجيش. وفى تقديرى أن الإيرانيين لم يخططوا لرد ضعيف، لكنه كان كافيا ليزود الجيش الإسرائيلى بذريعة للتحرك بصورة واسعة ضد أغلبية البنية التحتية الإيرانية فى سوريا.

فى إطار هذا الصراع الطويل يجب أن نفهم أيضا زيارة رئيس الحكومة إلى روسيا، فى توقيت هو الأفضل، على الرغم من أن أحدا لم يخطط ذلك. وجود نتنياهو كضيف كبير فى الساحة الحمراء هو بمثابة تلميح إلى إيران أنه على الرغم من علاقة موسكو الوثيقة بإيران، فإنها لن توقف إسرائيل عن العمل ضد التمدد الإيرانى، ولو أنها لن تفعل العكس وتعمل على تهدئة إيران. إسرائيل تملك حرية العمل فى سوريا، وبعد تصريح الرئيس ترامب أصبحت تملك حرية أكبر من الماضى.

هل من الممكن أن تتدهور هذه الأحداث إلى حرب مع إيران؟ الجواب هو نعم، على الرغم من عدم رغبة الطرفين فى ذلك. من وجهة نظر إسرائيل، بناء آلة حرب إيرانية فى سوريا يمكن أن يصبح مسألة حساسة فى المستقبل، لذا يجب منع بنائها الآن. وبالنسبة إلى الإيرانيين ما تفعله هو مرحلة مهمة فى استراتيجيا هدفها تحقيق هيمنة إقليمية لإيران، وفى المستقبل البعيد وضع مظلة نووية فوقها.

إن تخلى الإيرانيين عن بناء قدرة عسكرية ضد إسرائيل هو تخل عن مكوّن مهم فى استراتيجيتهم. وإذا لم يتراجع أحد الطرفين، فإن النتيحة ستُحسم فى الحرب. هل ستقتصر ساحة المعركة العسكرية على سوريا أم ستنزلق إلى لبنان وإلى مواجهة مع حزب الله، وربما أيضا إلى تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران نفسها؟ من الصعب التنبؤ لكن يجب أخذ ذلك فى الحسبان.

يعقوب عميدرور
رئيس سابق لمجلس الأمن القومى
يسرائيل هَيوم

التعليقات