نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالا بتاريخ 10 يوليو للكاتب عبداللطيف الزبيدى، يقول فيه إن السمة الغالبة فى العالم العربى هى تواضع العقلية العربية، مما أدى إلى تأخر ظهور البحث العلمى ونموه. ويرى الكاتب أن الحل يكمن فى ضرورة ارتباط المناهج التعليمية بالخيال.. نعرض من المقال ما يلى.
هل وضعت المناهج العربية شعارا كهذا، أو غاية، على جدول أعمالها؟ يحتاج هذا الهدف إلى خيال بعيد. على أهل الفكر أن يبحثوا الموضوع، فقد يصلون إلى استنتاجات عجيبة صادمة، من بينها أن الخيال ليس حسن الصيت فى تربيتنا التقليدية. يقترن الخيال فيها بالشعر، وإلا فهو يُعد صنوًا لغير الواقعى: لا تسرح فى الخيال، هذا محض خيال.
يتطلب الأمر جهودا كبيرة من التربويين، لكى يحققوا فى نظام التعليم ما ترمى إليه مقولة أينشتاين: «الخيال أهم من المعرفة». عند التحلى بالتواضع الفكرى، نعترف بأن المقولة لا تخلو من تضاد مع ما نشأنا عليه من أنماط التفكير. السبب واضح، وهو أن العقلية الغالبة، قائمة على المسلمات والمرجعيات، فحتى أدبنا مفخخ ملغم بالموانع والقمعيات. خذ مثلا عنترة: «هل غادر الشعراء من متردم؟»، وفى النثر: «ما ترك الأول للآخر من شىء». يعنى: كل الأجيال التالية، نسخ مكررة عاطلة باطلة، من ذلك الصنف الذى وصفه كونفوشيوس بقوله: «إذا اصطدم رأسك بجرة وسمعت صوتا، فليس ذلك دليلا على أن الجرة هى الفارغة». مأساة، فأذكى أديب فى تاريخنا، المعرى، هو الآخر يردد الكلام الفارغ الذى تفضل به ابن شداد، يقول أبو العلاء: «ما أرانا نقول إلا قديما.. ومُعادا من قولنا مكرورا»، وهو يناقض نفسه: «وإنى وإن كنت الأخير زمانه...». القرآن الكريم نعى على الناس استنساخ العقلية: «إنا وجدنا آباءنا على أمة... ».
على مفكرينا أن يبحثوا عن علاقة تلك المشاهد الذهنية بتأخر ظهور البحث العلمى ونموه فى العالم العربى. الصلة غير مستبعدة؛ لأن الخيال والتجارب الذهنية تلعب دورا محوريا جوهريا فى البحث العلمى.
ارتباط الخيال، انحصاريا، بالشعر عائق آخر، حال، ولو فى اللا وعى، دون اكتساب الخيال دورا علميا عمليا واقعيا. هذا لا يعنى أن الخيال الشعرى غير علمى فى المطلق. الشاعر الأمريكى إدجار بو، سبق كل علماء الفيزياء إلى حل اللغز: لماذا الليل أسود؟ ولعله لم يكن يعلم القيمة العلمية لكلامه!
الآن، هل تستطيع المناهج أن تُنبت للمواد المقررة أجنحة خيال حتى تحلق الأدمغة بالتجارب الذهنية؟ هذه الغاية الرائعة لا تخص العلوم البحتة والتطبيقية دون غيرها. دراسة
الشعر والأدب والعلوم الإنسانية عموما، تحتاج إلى تجارب ذهنية، لتنشئة أجيال ترى الأشياء بمروحة صينية من العيون.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنطقية: عبقرية آفاق الخيال، تحتاج إلى تنمية عملية.
صحيفة الخليج ــ الإمارات