رغم مرارة الأيام التى عاشها العالم تحت وطأة جائحة عدوى كوفيد ١٩ والتى سجلت انتصارا مدمرا لكيان لا يُرى بالعين المجردة على إنسان العصر الذى بدا كأنما بالفعل لم يؤتِ من العلم إلا قليلا، إلا أن هناك بعضا من النتائج التى تشى بإيجابية تعلن عن استيعاب الدرس وتفهُّم تداعيات الأمر.
أهم تلك الإيجابيات أن الجائحة قد ساعدت فى خلق وعى جماعى لدى العالم فانتشرت مفردات وعتها ذاكرة البشر أجمعين تشرح معنى المناعة الطبيعية والجهاز المناعى والوقاية، وتشرح حقيقة التطعيم وتتحدث عن اللقاحات الواقية وضرورتها فى الحماية من أخطار قادمة.
أيضا أصبحت السلوكيات الصحية أقرب إلى الالتزام بها على جميع المستويات فى كل بلاد العالم: ارتداء القناع وغسل الأيدى وتطهيرها بانتظام وتفادى الزحام واستخدام أدوات الغير أصبحت عادات صحية لن يتراجع عنها الإنسان فى أغلب الظن.
أردت اليوم أن أذكر بأننا على أبواب موسم الإنفلونزا الموسمية فى النصف الشمالى من الكرة الأرضية. مع أوائل أيام شهر سبتمبر يبدأ الاستعداد لاستقبال أيام الخريف واكتمال تحضيرات لقاح الإنفلونزا الموسمية الذى يحضر كل عام وفقا لاحتمالات انتشار فيروسات الإنفلونزا الموسمية والتى تختلف تماما عن فيروسات نزلات البرد التى يتخطى عددها المائتين. تختلف أعراض نزلات البرد عن الإنفلونزا اختلافا لا يكاد يبدو قاطعا حتى إن المرضى والأطباء يخلطون بين كليهما وإن كان التشخيص فى النهاية يحتاج إلى توصيف دقيق يقود إلى علاج كفء.
تلقى لقاح الإنفلونزا الموسمية أمر لا يجب على الإطلاق تجاهله تحت زعم أنك أصبت بعدوى كوفيد ١٩ ربما أكثر من مرة، وأنك أيضا تلقيت الجرعات الثلاث وربما الرابعة من اللقاح الواقى.
يتحدث العلم عن أنواع المناعة المكتسبة طبيعية كانت أو نتيجة للقاحات لكن الاختلافات الطفيفة بين الفيروسات بعضها البعض تمنحها مساحات واسعة من احتمالات العدوى وتتيح لها وسائل هجومية مذهلة تمكنها من مداهمة الإنسان فى صورة كثيرة غير متوقعة تنال منه. تلقى لقاح الإنفلونزا الموسمية هذا العام خطوة تعد الأهم لحماية نفسك من أخطارها. هذا بالطبع بالإضافة إلى عموم السلوكيات التى يجب الاهتمام بها لمقاومة كل ما قد يسبب التهاب الجهاز التنفسى خلال فترات ارتفاع الإصابة بالانفلونزا الموسمية فى الخريف والشتاء. يحتاج الإنسان على الأقل لأسبوعين بعد تناول لقاح الإنفلونزا الموسمية لتأسيس قوة دفاعية تحميه من الإصابة بعدوى الفيروسات الموسمية. لذا يبدو أن العالم قد بدأ من الآن الاستعداد للوقاية من الإنفلونزا الموسمية فأعلن تقديم موعد تناول اللقاحات.
فى هذا السياق أصدرت «مراكز رصد الأمراض والوقاية منها الأمريكية تقريرا مهما بدأته بقولها: كل من تجاوز عمره ستة أشهر وأكثر عليهم تلقى اللقاح السنوى للإنفلونزا الموسمية. واصل التقرير حديثه طالبا من الجميع أن ينتهوا من تناول التطعيم قبل أن ينتهى شهر أكتوبر المقبل حتى يمكن تحقيق وقاية كافية للإنسان ومن يحب.
يظل تناول اللقاح هو الطريق الآمن للجميع من الأصحاء ومرضى الأمراض المزمنة غير المعدية مثل مرضى السكر ومرضى القلب وشرايينه وارتفاع ضغط الدم.
تظل تجربة جائحة عدوى كوفيد ١٩ المثل الذى يؤكد دونما شك أن اللقاحات هى الوسيلة الفريدة فى الحماية من عدوى الفيروسات الفتاكة للكبار والصغار للمرأة والرجال والأطفال للأصحاء والمرضى وتظل استثناءات قليلة فقط يمكنها تفادى تناول اللقاحات.
أتمنى لو يهتم أصحاب الشأن الصحى فى بلادنا بتوفير لقاحات الإنفلونزا الموسمية للجميع لأنها الوسيلة الوحيدة الأفضل لحماية الجميع من نذر خطر قادم.