ذكرت بعض المصادر الإعلامية أن أنصار النائبة اللبنانية الشابة نايلة التوينى، والتى خاضت الانتخابات التشريعية الأخيرة على المقعد المخصص للطائفة الأرثوذوكسية فى مدينة بيروت، متخوفون على مستقبلها السياسى بعد زواجها من شاب مسلم يعتنق المذهب الشيعى.
وقبل الخوض فى هذه «الإشكالية»، يجدر التنويه إلى أن ما «اقترفته» هذه النائبة الشابة هو ثمرة لثقافة عائلية أطلقها جبران توينى الجد الأكبر، الذى أسس صحيفة النهار اللبنانية فى سنة 1933، ورسّخها جدّ النائبة الشابة المباشر الأستاذ غسان، الذى تمرّس فى السياسة وزيرا وسفيرا ولكنه عاد إلى مهنته التى أحب وأغنى، وهى الصحافة. هذه الثقافة، والتى إن عمّت المجتمع اللبنانى خصوصا والعربى عموما، لكانت أمراضه القائمة على منابت طائفية ومذهبية أقل إيلاما وأرقّ وقعا.
نحن إذا فى إطار عملية «إرثٍ» ثقافى حضارى إضافة إلى حمل شعلة الصحافة القائمة على أسس وطنية رغم ما يمكن أن يكتنفها من شوائب ذات أبعاد طائفية من هنا ومن هناك أو شوفينية فى أحوال مخففة.
وقلق «المناصرين» على مستقبل نايلة السياسى هو تعبير صارخ عن مرض هيكلى يكتنف بعض مكونات المجتمع اللبنانى خصوصا والعربى عموما، والمتعلق بالهوية الدينية التى تتجاوز أهميتها ورمزيتها الهويات الوطنية التى لها وحدها أن تؤسس وتبنى دولة حديثة تُخرج المنطقة من غيبوبتها الحضارية والثقافية والتحديثية.
فمن يدعى مناصرة النائبة توينى مستندا إلى انتماءها الدينى/ المذهبى، فهو يساند رمزية دينية/ مذهبية طوّع لها عقيدته وجعلها سقف انتمائه. أما أن تكون المساندة والانتماء إلى ما يمكن أن تمثله نايلة كشابة أولا فى منظومة سياسة كهلة حتى الثمالة، أو إلى ما تحمله كمشروع وطنى يجمع حوله أفرادا من مختلف التكوينات والذى حاولت أن تعبّر عنه، رغم الهفوات المرتبطة بالعمر وبنقص الخبرة، من خلال مداخلاتها ومن خلال حملتها الانتخابية، فهى أمور «معيقة» بالفهم اللبنانى للمناصرة وللمساندة سياسيا على الأقل.
الانتماء إلى مدرسة التوينى الصحافية، على حداثة عهدها بها، يشكّل لنايلة غنى ثقافى على أقل احتمال، ويفتح الباب واسعا أمام الاستزادة بالبعد الفكرى للمشروع «العائلى»، والذى جسّده الجد الأكبر المؤسس والجد الراعى وحاول الابن المرحوم جبران، سمى الجد، أن يخوض غماره ولكن لم يسعفه القدر وأعداء حرية الكلمة فى إكمال مسيرته فيه، حيث تم اغتياله سنة 2005.
والخطوة الطبيعية بالعرف الإنسانى، ولكن الاستثنائية بالعرف اللبنانى، التى خطتها نايلة بزواجها المدنى هى تعبيرٌ محمودٌ عن إعلان دخولها هذا المعترك الملىء بالألغام الفكرية والثقافية. وهذه الخطوة تطمئن ولو بنسبة ضئيلة، إلى استمرارية خطٍ توينىٍ بامتياز، مهما اختلفت معه سياسيا بعض الأطراف، فلا يمكن لها إلا أن تحترمه وتتوافق على رمزيته الهامة. هذا بالطبع إن كانت تلكم الأطراف تحمل مشروعا وطنيا بكافة أبعاده ومستلزماته وبرامجه وليست فقط صاحبة زعامة سياسية أو عائلية تستنزف البلد ومجتمعه منذ الاستقلال.
فالمناصرون الحقيقيون لمستقبل حداثى علمانى لبلدٍ عانى ما عاناه من دولة الطوائف وملوكها، هم المناصرون الحقيقيون لنايلة فى حبها وفى زواجها. والمواقف السياسية التى ستتبلور فى أدائها وفى خطابها مع التجربة والأخطاء، هى التى ستشكّل لها قاعدتها السياسية إن أرادت الاستمرار فى طريق تدل كل المؤشّرات على أنها تخوض غماره. إن اختلفنا معها أو مع بعض رؤيتها السياسية، فلا يمكن لهذا الخلاف إلا أن يتحوّل إلى اتفاق وحماس لما أقدمت عليه. وهى واعية تماما إلى أن ما «جناه» قلبها وعقلها، سيؤدى إلى فقدانها لجزء ممن لا يرون فيها إلا ابنة طائفتها وممثلة طائفتها فى «غابة» دولة الطوائف، وهنا عظمة وشجاعة الحدث، حيث إنه يمكن أن يمر مرور الكرام فى حالات أخرى لا تمسّ الشخصيات العامة، ولكن نايلة توينى أضحت شخصية عامة على صغر سنّها، وهى ستتصدى، إن أرادت، لردود الفعل التى ستعبر عن خلفيات عقيمة فكريا، وستبنى على هذا الحدث مشروعها غير المكتمل حتى الآن. وسيكون للشباب اللبنانى، «أيقونتهم» الشابة التى ستعيد لهم الحماس لطرح مشروع الزواج المدنى من جديد رغما عن أنوف بعض زعماء الطوائف الدينيين والسياسيين والميليشياويين. وهذه الخطوة، الضرورية فى بناء الدولة المستقبلية، تشكّل تحديا كبيرا على من اختار تبنيه أن يتحصّن من هجمات التخلّف، ولها أن تكون الرائدة فى المجلس النيابى الجديد بطرح المسألة الطائفية من وجهة النظر الشبابية وأن تعتبر هذا الهمّ الوطنى قاعدة انطلاق بالنسبة لها لبناء مشروعية سياسية مستندة إلى همٍّ حداثى وطموحٍ توفيقى بعد أن شكّلت لها الخلفية العائلية إرثا فكريا أسس لمشروعية كانت ضرورية فى العرف السياسى المحلى لتمكنها من وضع قدمها فى ساحة السياسة غير التقليدية المنتظرة من جميع الأطراف التى ما زالت مؤمنة بدورٍ طليعى للمشهد اللبنانى فى الإطار العربى الساعى إلى التغيير رغم هنّاته وتناقضاته.