انتخابات الصحفيين - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 3:58 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتخابات الصحفيين

نشر فى : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 8:40 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 أكتوبر 2011 - 8:40 ص

فضّلت ألا أقف طويلا عند أطلال ماسبيرو التى خلفتها المصادمات الدامية بين الأقباط والجيش، لأنتشل القارئ معى من التفكير فى حالة الهدم إلى التفكير فى تحديات البناء.. وحالة البناء التى نحن بصددها هى ما تشهده الجماعة الصحفية فى أول انتخابات تجرى بعد ثورة يناير، لاختيار مجلس ونقيب جديدين للصحفيين!

 

وتكتسب هذه الانتخابات أهميتها من اعتبارات متعددة.. ليس فقط لأنها تأتى متزامنة مع الزخم الذى يحيط بعملية التحول الديمقراطى والتوتر السياسى الذى يؤثر على الأحزاب والتكتلات، وما ينتظر أن تحمله الانتخابات البرلمانية القادمة من مفاجآت.

 

وليس فقط لأن نقابة الصحفيين بما تمثله فى المجتمع المصرى، تعكس اهتمامات مختلف الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية.. ولكن لأنها أيضا تقدم صورة قريبة لأوضاع المجتمع بكل تنوعاته، مما يجعلها طبق الأصل لما يجرى فى الشارع المصرى وما يكتنفه من حيرة وبلبلة. خصوصا أن تشكيل مجلس النقابة السابق قد شهد من الخلافات، ليس فقط من داخله ولكن أيضا فيما بين المجلس والنقيب.

 

ولا يخفى على كثيرين أن انتخابات الصحفيين طوال العهود الماضية شهدت تدخلات الدولة على يد رؤساء المؤسسات الصحفية الكبرى الذين تعاقبوا على منصب النقيب، واعتمدوا على ما يتلقونه من دعم من أجهزة الأمن وأجهزة الدولة، للتحكم فى أداء الصحفيين وفرض نوع من الولاية عليهم، عن طريق المساعدات والتسهيلات المالية والشقق التى تقدمها الدولة بأسعار مخفضة.

 

انتهت هذه المرحلة. ونحن الآن على أبواب مرحلة جديدة من الحياة النقابية للجماعة الصحفية تقل فيها إن لم تختف تماما تدخلات الدولة، لتحل محلها تدخلات الأحزاب والجماعات السياسية. وقد طرأت عليها تغييرات جذرية فى كل أنشطة العمل النقابى، ولكن داخل نفس الإطار القانونى المقيد لقوانين الصحافة التى شاخت بمرور الزمن، وتعرضت معها لانتكاسات أعجزتها عن مسايرة السرعة المذهلة لانتقال الأخبار والمعلومات وتنوع أدواتها وأساليبها. ولكنها مع ذلك خلقت جيلا جديدا من الصحفيين أكثر تطورا وقدرة على ملاحقة الأحداث. كما أدى تنوع وسائل النشر وسقوط جانب كبير من أنظمة القمع إلى إطلاق الحريات الصحفية بغير حدود أحيانا، بما يتجاوز آداب المهنة وأصولها. مما أوقع الصحافة فى تناقضات جسيمة، وفرض على الصحافة ووسائل الإعلام فى وضعها الجديد مسئوليات بقدر ما حصلت عليه من حريات.

 

وهذا هو التحدى الذى تواجهه الجماعة الصحفية بتشكيلها النقابى الجديد. فهى لا ينبغى أن تكون مجرد نقابة خدمات للرعاية الاجتماعية والصحية وصرف المعاشات.. ولكنها إلى جانب ذلك يجب أن تكون مسئولة عن تصحيح الأوضاع المهنية المعوجة والقوانين البالية التى تسمح بحبس الصحفيين والارتداد إلى قوانين الطوارئ والارتفاع بمستوى الأداء المهنى، وتوفير الضمانات لتداول المعلومات ومحاسبة الصحفيين على الأخطاء المهنية، حمايتهم فى نفس الوقت من تعسف السلطة.

 

على أيامنا لم تكن أعداد الصحفيين قد تضخمت على هذا النحو، ولكن طبيعة التطور حتمت اتساع المجالات الصحفية وخلقت مجالات للقفز من الصحافة الورقية إلى الصحافة الإلكترونية. وهو ما سوف يحتم فى القربب إيجاد تنظيمات نقابية محددة للتعامل مع الفصيلين كل فى مجاله. خصوصا مع التآكل المتزايد للصحافة الورقية، وتوجيه أموال الإعلانات بغزارة إلى التليفزيون. والاندثار التدريجى للتمويل الحكومى الذى قامت عليه الصحف القومية ردحا طويلا من الزمن.. وبروز الصحافة الخاصة والمستقلة. وهو ما أخرج الدولة من معادلة رفع الأجور التى يطالب بها الصحفيون.

 

هذه كلها مشكلات المستقبل. بل هى مشكلات الحاضر التى يتحتم على الجماعة الصحفية أن تواجهها. ولذلك تنتابنى الدهشة وأنا أرى الأجيال الجديدة تفكر بنفس الأساليب القديمة فى الانتخابات وأن تجد الجماعة الصحفية نفسها منقسمة بنفس النمط الذى كانت منقسمة به فى انتخابات سابقة: بين تيارات متنافسة، على رأس كل تيار منها مرشح حزبى أو شبه حزبى كنقيب: الليبراليين القوميين، والإخوان المسلمين.

 

ربما كان العامل الجديد المتغير هذه المرة هو غلبة أعداد الشباب والشابات من الصحفيين، الذين لا ينتمون إلى تيارات أو أحزاب معينة. ويشقون طريقهم بمزيد من الاتقان المهنى والخبرة الصحفية.. هؤلاء ربما نجحوا فى تغيير ميزان العمل النقابى نحو الأفضل، وبما يتلاءم مع إيقاع المستقبل!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات