الدستور ودور وزارة الخارجية - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 7:23 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الدستور ودور وزارة الخارجية

نشر فى : الإثنين 12 نوفمبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 12 نوفمبر 2012 - 8:35 ص

أقول بداية أن دور وزارة الخارجية فى رسم السياسة الخارجية هو دور محدود للغاية ــ خاصة فى الدول النامية والدول ذات النظام الشمولى حيث يتولى رئيس الدولة ــ وأكاد أقول منفردًا ــ رسم السياسة الخارجية حسبما يراه مستعينًا ببعض المستشارين المقربين أحيانا وبالمخابرات العامة كثيرًا ــ كان الحال هكذا فى مصر منذ ثورة عام 1952...

 

بعض وزراء الخارجية «الأقوياء» استطاعوا كسب ثقة الرئيس مما أعطاهم مساحة للحركة مثل إسماعيل فهمى مع السادات وعمرو موسى مع حسنى مبارك، وقد استخدما هذه المساحة حتى حدودها القصوى، وشاركا ــ إلى حد ما ــ فى صنع بعض جوانب السياسة الخارجية لمصر بأشخاصهم وليس بمؤسساتهم، خاصة السيد إسماعيل فهمى الذى كان الوحيد الذى استشاره الرئيس السادات فى أمر الذهاب إلى القدس وعندما اتضح له أنه معارض شديد لهذه الخطوة توقف عن إثارة الموضوع معه وأخذ يخطط له بمفرده، وفى هذا يقول إسماعيل فهمى فى كتابه «التفاوض من أجل السلام فى الشرق الأوسط» أن السادات لم يشاور أحدًا فى أمر الذهاب إلى القدس ــ سوى وزير خارجيته ــ فهو لم يتشاور حتى مع مجلس وزرائه.

 

●●●

 

أما فى عهد جمال عبدالناصر فلم يكن إهمال الخارجية قاصرًا على استبعادها من رسم السياسة الخارجية وإنما امتد ليشمل أيضًا الدور التنفيذى.. فتعددت مراكز صنع وتنفيذ القرار حيث استقل الوزير محمد فايق بالشئون الإفريقية وتولى السفير حسن صبرى الخولى كثيرًا من جوانب الشئون العربية وتولت إدارة فلسطين بوزراة الدفاع الكثير من جوانب القضية الفلسطينية.

 

وأنشأت برئاسة الجمهورية إدارات موازية لإدارات وزارة الخارجية وكان هذا هو الحال أيضًا بالمخابرات العامة، لذلك فلم يكن لوزارة الخارجية دور فى اتخاذ القرار المصيرى بسحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء عام 1967 وكان دورها ينحصر فى تلقى تعليمات لتنفيذ القرارات بعد اتخاذها دون أدنى شرح للأسباب التى بنيت عليها هذه القرارات.. وقد كان قرار سحب القوات الدولية هو بمثابة إعلان حرب.. وكانت أبواق الدعاية الصهيونية تصم الأذان بإدعاء أن سحب القوات الدولية وما نجم عنه من إغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية هو عمل من أعمال العدوان وانتهاك للتسوية التى تم بموجبها انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1957... كانت الدبلوماسية المصرية تعى ذلك تمامًا وتعلم أن هناك نقاط أخرى ليست فى صالحنا من بينها تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة للعدوان الذى اعتبر أن الحصار البحرى هو عمل من أعمال العدوان وليس إطلاق الرصاصة الأولى فقط أو اجتياز الحدود هو العدوان.

 

●●●

 

ولندع الدبلوماسى المصرى الفذ إسماعيل فهمى يوضح لنا الأمر حيث يقول فى كتابه السابق الإشارة إليه:

 

«إن فقدان التخطيط والتحليل لنتائج الخيارات المتاحة وما قد ينجم عنها هو العلة الأساسية للسياسة الخارجية المصرية التى ساهمت فى هزيمة عام 1967 فقد كانت وزارة الخارجية هى آخر من يستشار وآخر من يعلم بمجريات الأمور، فقد اتخذ عبد الناصر ــ مثلاً ــ قرار سحب قوات الطوارئ الدولية دون استشارة الخارجية بل كلف وزير الحربية ــ ببساطة بإبلاغ الجنرال ريكى قائد القوات الدولية بالقرار الذى رفض أن يتلقى أوامر إلا من خلال الأمين العام للأمم المتحدة.

 

وعندها فقط تم إبلاغ الخارجية ليس لاستطلاع رأيها ولكن لتكليفها بتنفيذ القرار الذى اتخذ بالفعل.. أى إبلاغ الأمم المتحدة... صحيح أن إسماعيل فهمى الذى كان يرأس غرفة العمليات بوزارة الخارجية حاول أن يوضح أخطار القرار وقدم تحليله فى هذا الشأن ولكن دون جدوى.

 

ظل هذا هو وضع الخارجية إلى أن تولى إسماعيل فهمى الوزارة فى أثناء حرب أكتوبر 1973 فتغير الوضع بعض الشىء ولم يكن ذلك لتغير منهجى فى أسلوب العمل فى مصر وإنما للثقة الكبيرة التى حازها فهمى لدى السادات والتى فقدها عندما لم يوافقه على فكرة الذهاب إلى القدس... فعادت الخارجية إلى الابتعاد عن مركز صنع القرار.

 

●●●

 

وللأسف فهذا الأسلوب مازال متبعًا حتى الآن أى بعد الثورة وسأضرب مثالاً واحدًا على ذلك ــ أتيحت لى الفرصة للإلمام ببعض جوانبه ــ فعندما ذهب الرئيس مرسى لمكة المكرمة لحضور القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامى بشأن الأزمة السورية طرح اقتراحًا بتشكيل لجنة رباعية من مصر وتركيا وإيران والسعودية بخصوص الأزمة السورية، وهو اقتراح جيد فى حد ذاته إلا أن المدهش فى الأمر أنه لم يحدث له تحضير مناسب ولم تسبقه مشاورات تتناسب مع خطورة الموضوع، وقد وضح ذلك عندما طرح الفكرة فى خطابه فلم يعلق عليها أحد ولم يثنى عليها أحد ولا حتى الدولة المضيفة ــ السعودية ــ وخرج الجميع من الاجتماع وهو يعتبرون أن المبادرة ولدت ميتة أو بالتعبير الدبلوماسى لم تحلق، وقد علمت أن الخارجية لم تستشار فى هذا الاقتراح وأن مشروع البيان الذى أعدته الخارجية لم يتضمن هذه المبادرة وأنها أضيفت فى الرئاسة دون الرجوع إلى الخارجية.. وقد كان ذلك واضحًا.. فالدبلوماسية المصرية العريقة مشهود لها فى العالم أجمع وتعد فى مصاف الأجهزة الدبلوماسية للدول الكبرى... وهم يعرفون أصول « الصنعة « وكيفية إعداد الساحة الدولية لاستقبال مثل هذه المبادرات الكبرى.

 

وهذا مثال واحد يدل على أن شيئًا لم يتغير كثيرًا فى أسلوب الحكم فى مصر.

 

وكلمة أخيرة فقد أردت بهذا المقال أن أعطى صورة واقعية بدون تجميل لحقيقة الوضع والدور الذى تلعبه الخارجية فى صنع القرار.. إلا أن ذلك لا يقلل من دورها فى خدمة السياسة الخارجية المصرية بل يعظم هذا الدور لأنها تعمل فى ظروف صعبة وتنفذ سياسات لم تستشار بشأنها وتحاول فى معظم الوقت استخدام المهارات الدبلوماسية فى تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب وإزالة الركام من الطريق وتجميل المواقف السيئة والاستمرار فى تقديم التحليل والنصائح التى لا يستجاب لها.

 

●●●

 

لذلك فأنا أطالب بأن ينشأ بموجب الدستور الجديد مجلسًا للأمن القومى (وهو غير مجلس الدفاع الوطنى) برئاسة رئيس الجمهورية ويضم وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد ورئيس المخابرات العامة ومستشار الرئيس للأمن القومى (إن وجد) وأن يناط بهذا المجلس مهمة مسئولية وضع السياسة الخارجية وتكون وزارة الخارجية هى المسئولة عن أمانة هذا المجلس وهى الذراع التنفيذية له، فالسياسة الخارجية لا تنفصل عن الأمن القومى.. بل إن اعتبارات الأمن القومى هى التى تحدد مسار السياسة الخارجية.. فعلينا أن نبدأ بتحديد مفهوم للأمن القومى المصرى... مفهوم تحدده اعتبارات التاريخ والجغرافيا والاعتبارات القومية والمشاعر الشعبية والمصالح الوطنية.. حيث أن الأمور اختلطت فى العقود الأخيرة فأصبحت إسرائيل هى الصديق والحليف الإستراتيجى وغزة هى مصدر التهديد للأمن القومى.

 

هذا المجلس هو الذى يتولى مهمة التخطيط ودراسة البدائل والخيارات المتاحة ويضعها أمام رئيس الجمهورية.

 

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات