الـ«فيس بوك» ينذر بثورات مقبلة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 1:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الـ«فيس بوك» ينذر بثورات مقبلة

نشر فى : الأربعاء 12 نوفمبر 2014 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأربعاء 12 نوفمبر 2014 - 9:10 ص

أن يلجأ رئيس الوزراء اليمنى الجديد، قبل تشكيل حكومته، فى بلد يمور بالصدامات المسلحة والنزعات الانفصالية الدامية، إلى متابعيه على «فيس بوك»، طالبا منهم المساهمة فى اقتراح أسماء لمرشحين لتولى حقائب وزارية، وتسجيل ما يحلو لهم من أسماء، لهو أمر يدلل على مدى عمق التغيرات التى تضرب صميم المجتمع العربى. التجاوب مع الرئيس خالد محفوظ بحاح كان كبيرا وجديا، ولم يتورع البعض عن ترشيح أنفسهم وتزويد الرئيس بسيرهم الذاتية، فيما أثنى كثيرون من مواطنيه على مبادرته، التى رأوا فيها احتراما لرأى الشعب، وهو على أى حال، ما قامت الثورات العربية من أجله.

ما نعيشه، رغم تأثيره البالغ الذى لم ندرك أبعاده بعد، هو مجرد نتيجة لعمل دءوب ومتواصل لمفكرين تكنولوجيين، يتنافسون كل فى مجاله، لإنجاز ابتكارات واختراعات، لا تزال فى بداياتها. أحد الصحافيين الذين زاروا «وادى السليكون» أخيرا، يتحدث عن جهد جبار، وتنافس طاحن، لجعل كل المعدات التكنولوجية التى بحوزتنا مربوطة بالشبكة العنكبوتية، وبالتالى، يصير الإنسان كونيا، ومشبوكا إلى قيم جديدة وربما متناقضة، رغما عنه. وكى يصبح التواصل المستمر مؤمّنا دون أرق الانقطاع، تترافق هذه الأبحاث، مع منافسة ضارية لابتكار بطاريات ذات قدرات عالية، تتفوق مئات المرات على تلك المحدودة، التى لا نكلّ من شحنها على هواتفنا المحمولة.

يخطئ من يظن أن وسائل التواصل الاجتماعى، لم تكن جزءا عضويا من الثورات الدموية، هذا إن لم تكن من أحد أسبابها المباشرة. غياب الدراسات العربية، فاضح ومؤرق فى هذا المجال، لكن مراجعة صفحات الناشطين تظهر مدى الغليان، وحدة النقاشات، حتى يمكنك أن تستقرئ ملامح ثورات لم تحدث بعد. لعل غفلة الباحثين العرب تعوضها، لسوء الحظ، جامعات: تل أبيب، وبرلين، وهارفارد. موجعة الحقيقة لكنها تفرض نفسها بقوة المعلومة وحاجتك الماسة إليها.

الدارسون، هناك، يؤكدون نتيجتين فاصلتين وصادمتين؛ أولاهما الساعات الطويلة، التى نقضيها على «فيس بوك» تؤثر ليس فقط فى النفس، وإنما أيضا فى ملامح الدماغ؛ حيث تتشكل لدى المستخدم مادة رمادية تتراكم كالغمامة، على مركزين عصبيين أساسيين فيه، وتقول الدراسة إن وجودك على صفحات التواصل الاجتماعى يعزز عندك رغبة جامحة فى عمل «مقارنات اجتماعية» لا شعورية، بينك وبين الآخرين الذين تتابعهم، وتتولد لديك نشوة لذيذة، حين تشعر بتفوقك على الآخر؛ مما يخلق نوعا من الإدمان. أما حين تأتى نتائج المقارنات سلبية، فحالة من الإحباط الشديد تسكن الذات الإنسانية وتحثها على السعى للخروج من مأزقها بتغيير واقعها والتمرد عليه. التأثير الثانى، يتعلق بتضخم «الإيغو» عند المستخدم ودفعه إلى فعل أحسن ما عنده لتقديم نفسه للآخرين، بشكل أفضل.

حالات الغضب العارم التى شهدناها فى السنوات القليلة الماضية فى أكثر من دولة عربية، أتت، ربما، بفعل هذه المقارنات الجماعية التى بقيت مجحفة ومحبطة. ملايين الشباب العرب على «تويتر» و«فيس بوك» يبثون همومهم، وسخطهم، ويستعرضون قدراتهم الفكرية واللغوية، ويتسابقون بشكل أساسى على إقناع الآخرين بآرائهم السياسية الاحتجاجية، حتى بات كل فرد «مونتسكيو» أو «جان لوك» عصره.

جنود «وادى السليكون» التكنولوجيون، لا تشغلهم «داعش» ولا تعنيهم الثورات العربية، ولا حتى «إيبولا»، ولو حصد 4 آلاف بشرى، فما بالك بالشباب العربى الخارج من «فيسبوكهم» بجرعات مدمرة من اليأس المدمى؟ ليس من اختصاص هؤلاء التفكير فى نتائج ما يبتكرونه أو متابعة انعكاساته على الشعوب. التكنولوجيا الذكية لا تحمى المغفلين أو تعبأ بهم، كما أن نومة أهل الكهف لجحافل الأساتذة الجامعيين العرب أمام ما يعصف بمجتمعاتهم من تحولات، وبقاءهم متفرجين ــ لا راصدين ومعالجين ومنبهين ــ لخطورة الظواهر، لم تعد مما يمكن فهمه أو السكوت عنه.

سوسن الأبطح

الشرق الأوسط ــ لندن

التعليقات