تراوح سعر سلة نفوط الأوبك حول 60 دولارا للبرميل طوال شهر أكتوبر الماضى، حيث أغلق السعر فى 1 نوفمبر على 60.19 دولار للبرميل. ورغم هذا الاستقرار السعرى الشهرى، فأسعار النفط تتذبذب يوميا، شأنها شأن السلع الأخرى فى ظل الأحداث الجيوسياسية المتعددة والمستمرة، والتى تشمل العقوبات النفطية التى فرضتها الولايات المتحدة على إيران وفنزويلا والمفاوضات التجارية ما بين واشنطن وبكين، والاختراعات التكنولوجية التى من الممكن أن تؤثر على سوق النفط مستقبلا، هذا ناهيك عن الاضطرابات الداخلية والإقليمية فى بعض الدول المنتجة كالعراق وليبيا وفنزويلا ونيجيريا وإيران.
لكن، بالإضافة إلى هذه العوامل التى تؤثر على أسعار النفط اليومية وفى المدى القصير، هناك وجهات نظر مهمة على المدى المتوسط عند الأوبك وحلفائها تؤثر على الأسعار فى المدى المتوسط (الأوبك وحلفائها ــ أقطار منظمة الأوبك بقيادة السعودية والدول المنتجة الأخرى غير الأعضاء فى أوبك بقيادة روسيا) ويعرف هذا بتحالف الـ24 دولة وتأسس منذ ثلاث سنوات تقريبا وتميز بالتنسيق الوثيق بين السعودية وروسيا لأجل استقرار الأسعار، مما أعطاه الكثير من الأهمية والمصداقية، على الرغم من اختلاف المصالح ووجهات النظر بينهما فى بعض الأحيان، نظرا للتباين فى الصناعتين النفطية السعودية والروسية واختلاف أسواقهما. لكن على الرغم من هذه التباينات، استمر التعاون النفطى الوثيق السعودى ــ الروسى. ويتميز هذا التحالف، خلافا لتجارب الماضى، بالالتزام بقرارات مجموعة الـ24، مما يضيف عليه مصداقية عالية. ومن أهم القرارات التى تم الالتزام بها هو تخفيض إنتاج النفط نحو 1.2 مليون برميل يوميا لأجل تقليص مستوى المخزون النفطى العالمى الذى فاض إلى مستويات عالية كادت أن تؤدى إلى تدهور الأسعار.
***
هناك وجهات نظر متعددة ضمن تحالف الـ24. فالبعض يرى أن الأوبك لا تزال فى موقع قوى. وأن هناك انخفاضا محتملا فى إنتاج الدول غير الأعضاء فى أوبك، بالذات الولايات المتحدة. فالتوقع هو أنه من الصعوبة بمكان استمرار الزيادة العالية والسريعة لإنتاج النفط الصخرى الأمريكى الذى أخذ يغزو الأسواق العالمية منذ عام 2014 حيث ارتفع معدل إنتاج هذا النفط إلى نحو 9 مليون برميل يوميا مما حول الولايات المتحدة خلال سنوات قليلة من أكبر دولة مستوردة للنفط فى العالم إلى دولة مصدرة له. ونفس الشىء ينطبق على الغاز الصخرى الأمريكى. فبدلا من استيراد الغاز الطبيعى سابقا، أخذت الولايات المتحدة تصدره الآن. والسبب فى توقع الانخفاض الإنتاجى الأمريكى، هو أن آبار النفط الصخرى تنضب بسرعة، من ثم يتوجب إعادة الحفر مرات عديدة للحفاظ على مستوى الإنتاج. وهذه عملية تأخذ وقتا طويلا لتنفيذها، ناهيك عن زيادتها للنفقات.
كما تتباين الآراء أيضا حول صحة الاقتصاد العالمى، بالذات تأثير الخلافات التجارية الأمريكية ــ الصينية على معدلات النمو الاقتصادى العالمى، ومن ثم معدلات الاستهلاك النفطى. وتعتبر الصين أكبر دولة مستهلكة للنفط فى العالم. لذا فأى تباطؤ فى استهلاكها سيؤثر على نمو الطلب العالمى للنفط، هذا الطلب الذى فاق أخيرا معدل 100 مليون برميل يوميا. كذلك من المهم مراقبة السياسات الاقتصادية الصينية. فقد أعطت الصين الأولوية منذ التسعينات إلى التصدير. أما الآن فقد بدأت تعطى الأولوية للاستهلاك الداخلى، الأمر الذى سيبدأ تقليص استهلاكها النفطى.
ويشير أولئك الذين يرون أن أوبك فى موقف جيد، أن الطاقة الإنتاجية المتوافرة لدى المنظمة أعلى من إنتاجها الفعلى. فما دام هناك طاقة إنتاجية فائضة، ستكون الأسواق مطمئنة ولا قلاقل أو خوف من انحسار الإمدادات أو الارتفاع العالى والسريع للأسعار، ولن ترتفع الأسعار بسرعة إلى مستويات قياسية. وخير دليل على كل هذا هو ما حدث أخيرا من نسف الناقلات فى الخليج العربى والبحر الأحمر. فقد ارتفعت أسعار الشحن والتأمين البحرى. ولكن رغم العقوبات النفطية المتعددة والاضطرابات السياسية فى عدة دول نفطية فى نفس الوقت، فلم يحدث شح فى أسواق النفط، ولم تصدر شكاوى من الدول المستهلكة أن هناك نقصا للإمدادات. ويعزى السبب الرئيس لهذه الزيادة النفطية الضخمة إنتاج النفط الصخرى الأمريكى بالإضافة إلى زيادة الطاقة الإنتاجية لكل من السعودية والعراق والإمارات والكويت.
***
كان هناك سابقا دولتين نفطيتين كبريتين (السعودية وروسيا) تزيد الطاقة الإنتاجية لكل منهما عن 12 مليون برميل يوميا. أما الآن، فهناك ثلاث دول نفطية كبرى (السعودية وروسيا والولايات المتحدة) لدى كل منها طاقة إنتاجية تزيد عن 12 مليون برميل يوميا. لقد تغيرت معطيات نفطية مهمة منذ انهيار الأسعار خلال الأعوام 2014 ــ 2016. كما تغيرت صناعة النفط العالمية على ضوء هذه المعطيات، بسب الزيادة العالية والسريعة للنفط الصخرى الأمريكى.
ونجد أن هناك فى مجموعة الـ 24 وجهات نظر مختلفة أخرى ما بين أعضاء التحالف. فهناك من يحذر من أن ارتفاع الأسعار سيؤدى إلى زيادة الاستثمارات فى صناعة النفط الصخرى الأمريكى. كما يشير هؤلاء أن هناك طاقة إنتاجية أعلى للنفط الصخرى وأن السبب وراء تأخر التصدير هو عدم وجود البنى التحتية الكافية حاليا فى الولايات المتحدة من أنابيب وخزانات وموانئ لاستيعاب تصدير جميع النفط الصخرى. ويشيرون إلى أن هذا التأخر فى التصدير هو مسألة وقت فهناك العديد من المشاريع لتشييد البنى التحتية اللازمة، ويتوقع الانتهاء من تشييدها فى أوائل عقد العشرينات. وهناك اختلاف آخر فى الرأى حول مدى نمو الاقتصاد العالمى، وهل نشهد حاليا دورة اقتصادية إيجابية تزيد من الاستهلاك النفطى أم لا الخلاف هذا يقودنا إلى مدى الاستمرار فى تخفيض 1.2 مليون برميل يوميا لتقليص فائض المخزون.
أخيرا، هناك وجهات نظر مختلفة حول مدى استقرار الأسواق فى حال انقطاع أو تقليص الإنتاج من دولة عضو أخر كبير فى منظمة أوبك، وفى نفس الوقت تقلص الإنتاج من أقطار أعضاء آخرين فى أوبك. فهناك احتمال خلال الأسابيع المقبلة فى إمكانية تقليص صادرات النفط العراقية من جنوب البلاد. إذ أن الأغلبية الساحقة من إنتاج وتصدير النفط العراقى هو من الحقول الجنوبية. إذ يبلغ معدل تصدير النفط من الجنوب نحو 3 مليون برميل يوميا تقريبا. وتفيد الأخبار من العراق عن محاولة الحراك الشعبى إغلاق الطرق المؤدية إلى بعض الحقول الجنوبية لمنع العمال والموظفين من التوجه إلى الحقول. وأن مئات الموظفين الأجانب فى شركات النفط العالمية بدأوا يغادرون من مطار البصرة. كما أن ثلاثة من شباب الحراك الشعبى قد تم اغتيالهم من قبل قوات الأمن عند محاولة هذه القوات إعادة فتح ميناء أم قصر الجنوبى.