منذ نشأة الولايات المتحدة قبل 240 عاما، جرت محاولات أربع لعزل الرئيس وانتهت جميعها بالفشل.
المحاولة الأولى: كانت عام 1840 ضد الرئيس جون تايلور، الذى خدمته نتيجة انتخابات التجديد النصفى للكونغرس وانتقال الأغلبية لحزب الرئيس وانتهت المحاولة سريعا. المحاولة الثانية: استهدفت الرئيس أندرو جونسون عام 1868 بسبب إقالته لوزير الدفاع المحبوب آنذاك إيدموند سانتون. ومر قرار العزل بمجلس النواب إلا أنه لم يمر فى مجلس الشيوخ لحصوله على 65 صوتا فقط أى أقل بصوت واحد عن الأغلبية المطلوبة. المحاولة الثالثة: بدأت عام 1973 كنتيجة لفضيحة ووترجيت، واختار الرئيس ريتشارد نيكسون الاستقالة عندما أيقن أن الأغلبية الديمقراطية تستطيع تمرير قرار عزله نظرا لتدنى شعبيته وصعوبة دفاع الجمهوريين عنه. المحاولة الرابعة: جرت عام 1998 ضد الرئيس بيل كلينتون إثر تورطه فى علاقة جنسية مع مونيكا لوينسكى، إحدى المتدربات فى البيت الأبيض، وكذبه بشأن هذه العلاقة. ومرر مجلس النواب قانون العزل، إلا أنه فشل فى الحصول على أغلبية الثلثين فى مجلس الشيوخ. وارتفعت بعد ذلك شعبية الرئيس كلينتون بصورة كبيرة. والمرة الخامسة هى تلك المتعلقة بحالة الرئيس الحالى دونالد ترامب.
***
بعد 77 يوما على بدء التحقيقات المتعلقة فيما بات يعرف بأوكرانيا جيت، أعلنت اللجنة القضائية بمجلس النواب لائحة اتهام برلمانية بحق الرئيس دونالد ترامب تتضمن مادتين هما استغلال السلطة، وعرقلة عمل الكونجرس. ويتهم الديمقراطيون ترامب بإساءة استخدام سلطاته وذلك بربطه المساعدات العسكرية لأوكرانيا وعقد قمة مع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زينليسكى بفتحه تحقيقا حول شبهات فساد تتعلق بنجل نائب الرئيس السابق جو بيدن المرشح على بطاقة الحزب الديمقراطى لانتخابات 2020 الرئاسية. وتتعلق تهمة عرقلة سير أعمال الكونجرس بضغط ترامب على كبار مساعديه لعدم الظهور أمام لجان التحقيق بالكونجرس، ورفض البيت الأبيض أى تعاون مع التحقيقات.
وكشفت إجراءات عملية عزل الرئيس دونالد ترامب التى أقدم عليها مجلس النواب عمق الانقسام الذى شهدته السياسة الأمريكية خلال نصف القرن الأخير. ولم يمثل تناقض تصويت أعضاء الحزبين مفاجأة للخبراء الذين تابعوا جلسات التحقيق العلنية خلال الأسابيع الماضية؛ إذ لم يصوت أى عضو جمهورى إلى جانب الديمقراطيين لصالح فتح التحقيق فى مخالفات ترامب.
***
مع توقع تصويت غالبية الجمهوريين بمجلس النواب لصالح إدانة الرئيس، سيصبح ترامب ثالث رئيس تصدّر بحقه لوائح اتهام عن الكونجرس، بعد أندرو جونسون وبيل كلينتون، فى حين قدم نيكسون استقالته قبل التصويت على عزله بعد تيقنه من تخلى الجمهوريين عنه. وفى السادس من فبراير 1974، صوت مجلس النواب بأغلبية 410 أصوات مقابل أربعة أصوات فقط على بدء اللجنة القضائية تحقيقاتها المتعلقة بعزل الرئيس. ويعتقد المؤرخ الأمريكى تيموثى نيفتالى أن «قادة الكونجرس احتاجوا إلى دعم الحزبين من أجل ضمان تأييد غالبية الشعب الأمريكى لبدء عملية العزل، وحتى لا تظهر التحقيقات على أنها تسعى لخدمة أهداف حزبية».
ومع قرب انتهاء دور مجلس النواب الذى يتمتع فيه الديمقراطيون بأغلبية 235 عضوا مقابل 200 للجمهوريين، سيبدأ دور مجلس الشيوخ ذى الأغلبية الجمهورية المتمثلة فى 53 عضوا مقابل 47 للديمقراطيين.
وتتطلب إقالة الرئيس أغلبية الثلثين أى 66 عضوا، وهو ما يصعب تصوره حتى الآن إلا إذا حدثت مفاجآت من العيار الثقيل. ويُعتقد أن مجلس الشيوخ سيقف حجر عثرة فى أى تقدم فى عملية سحب الثقة وعزل الرئيس ترامب.
***
لا يعرف الديمقراطيون بعد كيفية بلورة استراتيجية تمكنهم من الإطاحة بالرئيس ترامب، وتعج قائمة الديمقراطيين بالكثير من المرشحين الذى تخطى عددهم 16 مرشحا وينتظر أن تشهد انضمام المزيد. إلا أن استطلاعات الرأى الأخيرة تشير إلى انحصار السباق بين أربعة مرشحين جادين ذوى حظوظ هم: جو بيدن، وبيرنى ساندرز، وإليزابيث وارين، إضافة إلى بيت بوتيجيج.
وتعد مهمة الحزب الديمقراطى فى العثور على مرشح أو مرشحة تتغلب على الرئيس ترامب مهمة شديدة الصعوبة. ويشهد سجل الرئيس ترامب حتى الآن أداء اقتصاديا جيدا جدا طبقا لمعايير مختلفة منها انخفاض معدلات البطالة لأقل من 4% فى وقت يشهد الاقتصاد نسب نمو مرتفعة تعد الأطول فى تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق، فى ذات الوقت تشهد أسواق الأسهم الأمريكية ارتفاعات غير مسبوقة. وأظهرت نتائج استطلاع للرأى أجرته محطة «سى إن إن» تحسن رؤية الكثير من الأمريكيين لطريقة تعامل ترامب مع القضايا الاقتصادية خلال العامين الماضيين. وأظهر استطلاع أجرته محطة «سى إن إن» أن 48% يؤيدون سياساته فى حين يرفضها 45% وعبر 7% عن عدم تأكدهم.
ويعضد من فرص ترامب إضافة للعامل الاقتصادى استمرار انجذاب كتلة تصويتية محافظة وبيضاء يستطيع ترامب مغازلتها كما يشاء. وتمثل قضايا الهجرة والقضايا الثقافية الخلافية أدوات يُحسن ترامب من استغلالها لإثارة حماس تلك الكتلة التصويتية الملتزمة.
***
خلال عام 1998 تسببت جهود الجمهوريين الساعية لعزل الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون فى زيادة التأييد الشعبى له ولحزبه. ومع تيقن الكثير من خبراء الشئون الأمريكية أن ترامب باق فى منصبة؛ إذ لن يقدم مجلس الشيوخ على إدانته بارتكاب جرائم تستدعى العزل. ولا أحد يعرف بعد تأثير كل هذه التطورات على حظوظ ترامب الانتخابية لعام 2020، إلا أن المؤكد أن نجاته من فضيحة أوكرانيا بعدما نجا من أزمة التدخل الروسى فى انتخابات 2016 لن تترك كتلته التصويتية إلا أكثر حماسا لإعادة انتخابه لأربعة أعوام أخرى.
كاتب صحفى يكتب من واشنطن