بدراوى والجمل - أحمد مجاهد - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 11:20 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بدراوى والجمل

نشر فى : السبت 13 فبراير 2010 - 9:44 ص | آخر تحديث : السبت 13 فبراير 2010 - 9:44 ص

 لا توجد بينى وبين الأستاذين الكريمين الدكتور حسام بدراوى والدكتور يسرى الجمل أى معرفة شخصية، فأنا لم أشرف بمقابلة الدكتور بدراوى مطلقا طوال حياتى، أما الدكتور الجمل فقد شرفت بمقابلته أثناء توليه وزارة التربية والتعليم مرات معدودة فى محافل عامة، كما تبادلت معه بعض الخطابات الرسمية وكان فى كل الحالات نموذجا للتواضع ودماثة الخلق.

وعلى الرغم من عدم المعرفة الشخصية بالرجلين، فإن تجاربى الحياتية قد جمعتنى بهما عن بعد فى موقفين متناقضين جديرين بالمقارنة.

الموقف الأول يتمثل فى أننى قد شرفت منذ فترة بكونى عضوا فى لجنة كبيرة متخصصة لاختيار عناوين الكتب التى سوف يتم تزويد مكتبات المدارس الإعدادية والثانوية الحكومية بها، فى إطار المعونة الأمريكية التى تم تخصيصها لهذا الغرض. وقد كان دور اللجنة ينحصر فى تحديد النسب المئوية لموضوعات الكتب التى يجب اختيارها فى كل مجال: أدبية، علمية، فنية.. إلخ، ثم اختيار أفضل العناوين المطروحة من دور النشر المتقدمة للمسابقة فى المجالات التى تم الاتفاق عليها.

ولما كانت اللجنة لا علاقة لها بأسعار هذه الكتب وآليات التفاوض المادى حولها، فقد كان مطلوبا منها أن تختار قدرا أكبر من العناوين، على أن يعرض عليها مرة أخرى عناوين الكتب التى تم الاتفاق عليها ماديا مع دور النشر، حتى لا يتسبب البحث عن الأرخص فى اختيار الكتب الأقل قيمة، على أن يكون للجنة الكلمة الأخيرة فى تحديد أهمية الكتب المستبعدة بسبب تعثر الاتفاق المادى مع الناشرين.

وقد لاحظت فى جلسة المراجعة الأخيرة اختفاء موسوعة موجزة ومبسطة تتكون من ثلاثة أجزاء عن تاريخ الفن التشكيلى ورواده، على الرغم من اتفاق اللجنة كلها على أهميتها بخاصة أنها الوحيدة المقدمة فى هذا المجال، فطرحت ملاحظتى قبل بداية الاجتماع على ممثل وزارة التربية والتعليم صاحبة الشأن الأول فى الموضوع، فطلب منى عدم ذكر هذه الملاحظة تحديدا فى الاجتماع الرسمى مع الجانب الأمريكى لأنهم لا علاقة لهم بها، وأن الذى استبعد هذه الموسوعة فقط من بين قائمة الكتب المختارة كلها لعدم أهميتها هو الدكتور الجمل وزير التربية والتعليم شخصيا.

أما الموقف الثانى فقد وقع فى الأسبوع الماضى، وتحديدا عندما كنت أراجع مسودة العدد الأول من مجلة الفنون التشكيلية التى سوف تصدر بداية الشهر القادم عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، حيث يوجد بالمجلة باب يسمى «عاشق الفن» يستضيف فى كل عدد واحدا من عشاق الفنون التشكيلية لتقديم مقتنياته من اللوحات المتميزة للقراء والحديث عن علاقته الشخصية بالفن التشكيلى.

وقد كان ضيف العدد الأول هو الدكتور حسام بدراوى الذى أدهشنى أنه ليس مقتنيا متميزا للوحات الفن التشكيلى فقط، بل إنه على الرغم من مشاغله العديدة كان حريصا منذ عامين تقريبا على تلقى دروس مدفوعة الأجر لتعلم مهارات الرسم من فنانين متخصصين.

يتضح من التناقض الملموس بين الموقفين السابقين طبيعة علاقة كل من السيدين الكريمين بالفنون التشكيلية، التى تشى فى سياق التربية والتعليم بدرجة اهتمام كل منهما بحصص الرسم والأنشطة الفنية ورفع الذوق العام والارتقاء بالحس الجمالى لدى الطلاب، مما ينأى بهم عن الإسفاف والابتذال والتعصب.

وقد تبدو هذه المقارنة شخصية خالصة لولا أن أحد السيدين كان يتولى وزارة التربية والتعليم حتى وقت قريب، وأن الآخر مازال يتولى ملف التربية والتعليم بلجنة السياسات وقد قام بعرض رؤية اللجنة فى مؤتمر الحزب الوطنى منذ وقت قريب أيضا، وهذا يدفعنا إلى التساؤل حول طبيعة العلاقة العملية بين الحكومة والحزب، حيث يلاحظ أن ما طرح من آراء فى هذا المؤتمر لم يكن متسقا تماما مع الأداء الحكومى بخاصة فيما يتعلق بملف التعليم.

وقد تكون الإجابة هنا أنه لهذا السبب تم تغيير هذا الوزير فقط منذ وقت قريب أيضا، لكن هذا لا يمنع من أن قضية الاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية بالمدارس مازالت فى حاجة ماسة إلى مزيد من الاهتمام والرعاية، لأن المدرسة هى المكان الوحيد القادر على تقديم جرعة التطعيم الإجبارية الواقية من التطرف وهبوط الذوق العام عبر الاهتمام بمثل هذه الأنشطة.

أعرف تماما أن أمام الدكتور أحمد زكى بدر وزير التربية والتعليم الحالى كما ضخما من الملفات الحرجة مثل نظام الثانوية العامة والتعليم الفنى وتعديل المناهج وكادر المعلم وغيرها، لكننى أرجو ألا تشغله كل هذه الملفات عن دعم الأنشطة الثقافية والفنية التى أعرف أيضا درجة اهتمامه الشخصى بها أثناء رئاسته للجامعة. وأشهد بأن الرجل هو الذى بادرنى عندما شرفت بمقابلته فى افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب منذ أيام بطلب وضع مشروع مشترك للتعاون بين وزارة التربية والتعليم والهيئة العامة لقصور الثقافة لدعم الأنشطة الثقافية والفنية بالمدارس.

لكن كل هذا لا يمنعنى من التذكير بأن غياب حصص المكتبة هو الذى باعد بين الطلاب وبين القراءة، حتى إن الطالب قد يقضى سنوات تعليمه كلها فى مدرسة واحدة ثم يتخرج منها وهو لا يعرف الطريق لمكتبتها. كما أن عدم الاهتمام بحصص الرسم هو الذى أدى إلى امتناع الطلاب عن التقدم لقسم النحت ببعض كليات الفنون الجميلة لأكثر من عام فى بلد المسلات والتماثيل والمعابد الفرعونية. وأن غياب حصص الموسيقى هو الذى أدى إلى تحريم الغناء أو إلى شيوع أغنيات الإسفاف والعرى، فكلاهما وجهان لعملة واحدة فى إطار غياب الوعى النقدى الفنى الذى يربى على الذوق السليم.

وغياب كل هذا معا أدى إلى ما نعانيه من تطرف وعنف وقبح فى المظهر والسلوك.

التعليقات