الصين وإسرائيل والشعب الفلسطيني.. بين الاقتصادى والسياسي - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصين وإسرائيل والشعب الفلسطيني.. بين الاقتصادى والسياسي

نشر فى : الإثنين 13 فبراير 2023 - 9:20 م | آخر تحديث : الإثنين 13 فبراير 2023 - 9:20 م
خلال المواجهات التى اندلعت أخيرا ما بين إسرائيل والفلسطينيين، استمرت الصين فى التعبير عن دعمها، غير المتحفظ، للجانب الفلسطينى. فبعد زيارة وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير إلى المسجد الأقصى مثلا، انضمت الصين إلى الإمارات بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وخلالها، طالب السفير الصينى «إسرائيل بشكل خاص، بالتوقف عن التحريض والاستفزازات». وفى نهاية يناير، تعاونت الصين مرة أخرى مع الإمارات وفرنسا، وطالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن فى الأمم المتحدة، بعد عملية الجيش الإسرائيلى فى جنين.
• • •
مميزات الرد الصينى لم تتغير، حتى بعد العمليات الأخيرة فى القدس، وتضمنت التعبير عن الأسف بسبب الأضرار التى تلحق بالمدنيين فى الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى؛ إدانة أعمال «إرهابية»، وفى الوقت نفسه إدانة استعمال القوة المفرطة عند الرد؛ مطالبة الأطراف، و«بشكل خاص إسرائيل، بالهدوء وضبط النفس، بهدف منع خروج الأوضاع عن السيطرة». أما المتحدث بلسان وزارة الخارجية، فعاد وكرر الادعاء الصينى الذى بحسبه، لا يزال الصراع مستمرا لأن الفلسطينيين لم يحققوا أهدافهم الشرعية بدولة مستقلة بعد. وفى هذا السياق، يجب الإشارة إلى أن الصين صوتت لمصلحة القرار الأممى الذى يطالب المحكمة الجنائية الدولية بعرض وجهة نظر استشارية بشأن إسقاطات الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية.
هذا التصويت كان الأخير من سلسلة عمليات تصويت تدعم الطرف الفلسطينى منذ استعادت الصين الشعبية مقعدها فى الأمم المتحدة سنة 1971، بدلا من تايوان. ولكن عمليا، بدأ دعم الصين الشعبية للفلسطينيين منذ فترة ماو تسى تونج، حينها، كان دعمها للفلسطينيين جزءا من دعمها لحركات التحرر الوطنى ضد الإمبريالية الغربية. ففى سنة 1965، قال ماو لأحمد الشقيرى، رئيس منظمة التحرير، إن «الإمبريالية تخاف من الصين والعرب. إسرائيل وتايوان هما قاعدتا الإمبريالية فى آسيا... الغرب لا يحبنا، وعلينا أن نفهم هذه الحقيقة. المعركة العربية ضد الغرب هى المعركة ضد إسرائيل». وعلى الرغم من أن تعامُل الصين مع الغرب تغيّر دراماتيكيا منذ فترة ماو حتى اليوم، فإن المسئولين الصينيين لا يزالون يعبّرون عن دعمهم لفلسطين اليوم أيضا. فمثلا، خلال اللقاء الأخير الذى جمع الرئيس الصينى شى جين بينج ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم 22 ديسمبر، قال الأول إن بلاده «تدعم دائما الأهداف العادلة للشعب الفلسطينى، باستعادة حقوقه ومصالحه الشرعية». هذا بالإضافة إلى أن الصين تلتزم بالتشديد على دعمها حلّ الدولتين، ومن ضمنه العودة إلى حدود 1967 والقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية. كما تطرح الصين منذ أعوام خططا لإنهاء الصراع، متشابهة بصورة عامة.
على عكس النبرة العالية والدعم السياسى، فإن الدعم الاقتصادى الصينى للفلسطينيين قليل. وحتى المساعدات الإنسانية من خلال الأونروا قليلة جدا، وخصوصا إذا ما قورنت بدول أُخرى. ففى سنة 2020 مثلا، بلغت المساعدات 3.3 ملايين دولار، وفى سنة 2021، انخفضت إلى مليونى دولار فقط. أما الشركات الصينية، فإن استثمارها فى المناطق الفلسطينية ضئيل جدا، وموّلت الصين مشاريع صغيرة لتحلية المياه، وللطاقة الشمسية، فى غزة. وهذا على عكس انخراط الشركات الصينية فى مشاريع بنى تحتية فى الدول المجاورة، كإسرائيل ومصر. يبدو أن الاستثمار الاقتصادى الضئيل كافٍ للحاجات السياسية، فى نظر بكين، ويسمح للسفير الصينى فى الأمم المتحدة وفى مناطق السلطة الفلسطينية بالتعبير عن دعمه غير المحدود للخط السياسى الفلسطينى، لتقوية صورة الصين كدولة تسعى للسلام وتدافع عن القانون الدولى. موقف الصين الثابت من الصراع الإسرائيلى ــ الفلسطينى يعتمد بالأساس على الحاجة إلى ضمان دعم المعسكر العربى ــ المسلم لموقفها بشأن تايوان، وصمت هذا المعسكر على ما يحدث فى قضية الإيجور.
• • •
إن سياسة الصين تجاه إسرائيل هى على عكس سياستها تجاه الفلسطينيين. ففى سنة 2013، وقّعت الصين وإسرائيل اتفاق تعاوُن فى البنى التحتية، ومنذ ذلك الوقت، تعمل الشركات الصينية فى مجالات عدة. وبالإضافة إلى الأعمال التى تقوم بها الشركات الصينية فى إسرائيل، تستعمل هذه الشركات إسرائيل كجسر للغرب. وعلى الصعيد التجارى، فإن إسرائيل، بالنسبة إلى هذه الشركات الصينية، كشركة SIPG، التى تقوم بتفعيل ميناء حيفا، هى مكان مثالى لتجربة العمل التجارى خارج الصين. فمن جهة، إسرائيل دولة متطورة وديمقراطية، لكنها فى الوقت نفسه، صغيرة من حيث الحجم. التجريب فى السوق الإسرائيلية يسمح للشركات الصينية بالحصول على معرفة وخبرة من أجل العمل مستقبلا فى دول شبيهة فى الاتحاد الأوروبى. وبشكل مماثل، يتم استعمال إسرائيل كقناة تواصُل مع الولايات المتحدة، وفى الاتجاه العكسى أيضا ــ لفهم موقف الولايات المتحدة بصورة أفضل.
فى سنة 2017، وقّعت الصين وإسرائيل اتفاقية واسعة للتعاون فى مجالات التجديد، وحصلت على مباركة كلٍّ من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الصينى شى، ويبدو أن الدولتين تقومان بعمليات تبادُل اقتصادى واسعة من خلال شركات تجارية، وخاصة فى مجال البنى التحتية ومجال المؤسسات الأكاديمية. لكن على عكس ما يبدو، فإن الشراكة لم تأتِ بالكثير من الثمار. الاستثمارات الصينية فى التكنولوجيا العالية الدقة الإسرائيلية وصلت فى نقطة الذروة إلى نحو 8% فقط من مجمل الاستثمارات الأجنبية فى إسرائيل، ومنذ سنة 2019، هى فى حالة تراجُع. ومجال الخدمات، الذى شكّل نصف مجمل الصادرات الإسرائيلية فى سنة 2021، لم يصدّر إلى الصين نصف النسبة. وفى نهاية 2022، قامت الصين بخطوة مثيرة للاهتمام، وذلك عندما صاغت ببياناتها خلال ثلاث قمم مشتركة مع دول عربية أو خليجية، صيَغا تتبنى الموقف الخليجى من الصراع مع إيران، وبذلك تكون قد عبّرت عن رغبتها فى توسيع التعاون الاقتصادى مع المنطقة، المهمة بالنسبة إليها، بسبب مصادر الطاقة. ومن المؤكد أن الصين تعى أهمية «اتفاقيات أبراهام»، التى فى إطارها تعزز إسرائيل تعاونها مع الدول الخليجية اقتصاديا. وهذه الصيغة مريحة للصين وإسرائيل لزيادة التعاون بتدخُّل خليجى.
وفى المقابل، فإن الدولتين اتفقتا على ألا تتفقان فى عدة قضايا سياسية. الصين من جانبها، فصلت ما بين هذه القضايا وبين النشاط الاقتصادى الخاص بها فى إسرائيل، والثانية تجاهلت القضايا السياسية ضدها، وركزت على استنفاد الفرص الاقتصادية فقط. ولكن، حدث تغيير فى العامين الماضيين: الصين رفعت حدة تصريحاتها فى الموضوع الإسرائيلى ــ الفلسطينى، ويبدو أن إسرائيل غيّرت فى سياستها التى تضمنت تجاهُل التصويت الصينى الإشكالى ضدها فى الأمم المتحدة، وانضمت إلى الانتقادات الدولية لِما تقوم به الصين بحق الأقلية الإيجورية. هذا بالإضافة إلى أن إسرائيل بدأت بتفعيل منظومات الرقابة على النشاط الاقتصادى الأجنبى، وهو ما قامت به عدة دول لديها اقتصاد حر.
على الرغم من النضج الإسرائيلى بخصوص التوقعات من الصين فى المجال السياسى، فإنه يجب التذكير بأن الصين تمتلك أحد الاقتصادات الأكثر قوة فى العالم، ولا مصلحة لإسرائيل فى الانفصال عنها. صحيح أن المنافسة الآخذة بالازدياد ما بين الصين والولايات المتحدة عززت المعضلة الإسرائيلية بسبب الضغوط الأمريكية على حلفائها لتقليل العلاقات مع الصين فى كل ما يخص التكنولوجيا الحديثة. ولكن حتى فى هذا الواقع الجديد، حيث الدعم الاستراتيجى الأمريكى لإسرائيل أهم من الحسابات السياسية والأمنية الإسرائيلية، وللصين مصلحة اقتصادية وسياسية فى توسيع علاقاتها مع دول الخليج، لا يزال لدى الدولتين هامش كبير يمكن توسيع التعاون فيه. فمجالات التجديد التكنولوجى لا تندرج جميعها تحت إطار التنافس الاستراتيجى بين الولايات المتحدة والصين. والإدارة الأمريكية نفسها توضح أنها تطلب التعاون الصينى أحيانا فى مجالات تؤثر فى مستقبل الإنسانية، كالتغيير المناخى وتلوث الهواء، والأمن الغذائى، ومخزون القمح العالمى وغيرها. فى هذه المجالات، لدى إسرائيل والصين قدرات فى البحث والتطوير والصناعة.
موضوع العلاقات الصينية ــ الإسرائيلية طُرح أخيرا خلال زيارات المسئولين الأمريكيين، ومن ضمنهم وزير الخارجية، ورئيس الـCIA، ومستشار الرئيس للأمن القومى، ويبدو أنه سيكون على الحكومة الجديدة النظر فى الأبعاد المختلفة لهذا الموضوع. الصين فيها احتمالات اقتصادية لكل اقتصاد متطور ويعتمد على التجدد، كالاقتصاد الإسرائيلى. وللدولتين مصلحة فى تطوير علاقات اقتصادية فيما بينهما، وذلك من خلال محاولة خلق قواعد لعبة محدثة، تتلاءم مع مرحلة المنافسة بين القوى العظمى. على إسرائيل العمل على صوغ تعاوُن اقتصادى لا يضرّ بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وفى المقابل، عليها الاستمرار فى الاحتفاظ بحرية الرأى السياسى الذى يجيب بشكل موضوعى عن سياسة الصين ضد إسرائيل.

غاليا لافي وعوديد عيران
باحثان في «معهد أبحاث الأمن القومي»، جامعة تل أبيب
مباط ــ عال
مؤسسة الدراسات الفلسطينية
التعليقات