ما تشهده المنطقة من أحداث خاصة فى الجزائر والسودان تجعل الإنسان يتأمل فيما يجرى حاليا ورغم أنه من المبكر أن يتم تحليل المواقف وتباين ماذا جرى بالظبط إلا أن النتيجة هى أنه يأتى وقت تنتفض فيه الشعوب ضد الديكتاتورية التى تحكمها ففى الحالة الجزائرية مكث الرئيس بوتفليقة 20 سنة فى الحكم وفى السودان مكث الرئيس عمر البشير 30 سنة فى الحكم ولكن الشعبين انتفضا ضد نظام يبس فى مكانه ولذا المتظاهرون هنا وهناك لا يطالبون برحيل «الشخص» ولكن برحيل «النظام» برمته وقد نجح السودانيون فى أربع وعشرين ساعة فيما فشل الجزائريون حتى الآن فطالبوا بتغيير اللواء عوض بن عوف الذى كان عليه الكثير من علامات الاستفهام خاصة قربه من البشير واضطر المجلس العسكرى أن يبدل موقع رئيسه باللواء الفريق أول عبدالفتاح البرهان الذى هو رجل عسكرى مشهود له بالنزاهة والكفاءة وعدم انخراطه فى الحزب الحاكم كأن للأنظمة «تاريخ انتهاء صلاحية» لا تتحمل بعده الشعوب حكامها الذين شاخوا على كرسى الحكم ولا الأنظمة التى استغلت وكتمت وفسدت بل تذهب المطالبات إلى أبعد من الأشخاص لتتطال الأنظمة نفسها لأنها فقدت الرؤية ولم تعد تستطيع أن تضيف أى جديد لشعوبها خاصة فيما يمس معيشة المواطن البسيط.
الشىء الثانى، أن شعوب المنطقة لم تعد ساذجة كما كان يظن حكامها الديكتاتوريون فالسذاجة لم تعد شيمة هذا العصر الذى يشهد انفتاحا غير مسبوق بسبب وسائل الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعى مما تجعل الشعوب «تغير» من بعضها إذا جاز استعمال هذا التعبير وتتساءل إذا انتفض شعب مجاور... لماذا لا ننتفض نحن أيضا. خاصة أن الانتفاضات سلمية لا تستعمل العنف أو السلاح كأداة للتغيير بل تستعمل الأساليب السلمية والحضارية مما ينم عن أن هذه الشعوب وصلت إلى درجة ما من النضوج السياسى وأن حكامها السابقين فقدوا التواصل والإصغاء إلى نبض شعوبهم وعندما يفيقون من سباتهم يكون الوقت قد داهمهم وسقف مطالب شعوبهم قد ارتفع.
لا يجب أن نغفل أن ثورتى 25 يناير و30 يونيو المصرية وسلميتها من قبل الشعب وحماية الجيش لشعبها كانت ملهمة وقدوة لما يجرى الآن فى بلاد أخرى مجاورة لنا بل إخوة لنا.
نتمنى أن انتفاضتى الجزائر والسودان تأتى بثمارها المرجوة حتى تستكمل مسيرة التنمية والرخاء التى تعطلت كثيرا. ولا يبقى إلا أن نتأكد أن الديمقراطية وتداول السلطة خير أمان لسلامة الشعوب.