هرمت يا صاحبنا - جميل مطر - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هرمت يا صاحبنا

نشر فى : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 9:53 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 يوليه 2011 - 9:53 ص

 عاد صاحبنا إلى الصخرة إياها، الصخرة التى شهدت تجارب الانتقال من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية اخرى، وبالتحديد من البلوغ إلى المراهقة ومنهما إلى مراحل النضوج. هناك فوق الصخرة تعلم حتى أتقن فن الاستمتاع بهواية التأمل وتدرب على ممارسة الهدوء والصبر وسعة الصدر. هناك بدأت أحلامه ترسم مستقبل أيامه. هناك وفى الليل الحالك حين يغيب ضوء القمر وتختفى النجوم تعلم كيف يبصر فيرى بجلاء ما تظن العتمة أنها أخفته عن ناظريه.

جلس صاحبنا يستعيد للذاكرة بعض ما كان. تغير الكثير. جرب الرؤية فى العتمة فلم يبصر كما كان يبصر وهو صغير. حاول أن يترك العنان للفكر ليشرد فيخلو للتأمل فإذا بالتأمل ينسحب مللا. كتم أصوات مفردات حزمته الالكترونية أملا فى أن ينصت فى هدوء إلى هدوء طال الحنين إليه فأتاه الهدوء صاخبا. انتظر أن يحلم فيستغرق فى الحلم ويلهو فيه كما كان يلهو ويتخيل صورا ومشاهد وأحداثا ينسج منها روايات وأساطير. ويطول الانتظار بينما أصوات الواقع تقهقه سخرية أو تشفيا.

<<<

تغير صاحبنا أم تغيرت الصخرة؟ الصخرة فى مكانها والمياه من حولها كما كانت دائما من حولها. الصخرة حافظت على صلابتها وخشونتها وعزيمة تصديها للأمواج العاتية. أصوات ارتطام الموج بحواف الصخرة تكاد تنطق بكلمات لا تخطئها أذن أو تغفل عنها ذاكرة. أما الكلمات فكانت: هرمت يا صاحبنا ولم تهرم الصخرة. عاد صاحبنا يتذكر. كان من موقعه فوق الصخرة يرى الموج العاتى يكسح فى طريقه العقبات ويقذفها بعيدا. تأتى الأمواج متعاقبة فلا تترك للعقبات فرصة لتتكون من جديد أو تستعيد قوتها أو تلم شملها. عاد يتذكر كيف كانت الموجة عظيمة الارتفاع صاخبة الصوت تنتهى عند رمال الشاطئ المترامى رقائق مياه تتمدد بنعومة، ينسحب بعضها عائدا من حيث أتى فى رقة ودلال تاركا بعضه الآخر يبلل رمالا ويتسرب فى رمال أخرى.

ساقته الذكريات إلى أيام الصبا، حين كان الرفاق من الشبان يهرولون فوق رمال الشاطئ وينزلون زرافات أو أفرادا إلى البحر الهائج ليركبوا الأمواج ويسلموا أنفسهم لها لترسو بهم أمام المصطافين. كان راكبو الموج نوعين. نوع توغل سباحة فى البحر الهائج إلى حيث يكون الموج عاليا فيختارون الأعلى ليركبوه إلى الشاطئ. لم يدرك صاحبنا وهو صغير أنه إذا كان بين الشباب هذا النوع الذى يتجاسر ويتوغل بعيدا فى البحر ليركب أعلى موجة، فهناك نوع آخر من الناس ينتظر غير بعيد عن الشاطئ اقتراب موجة بدأت عالية فى وسط البحر وفقدت خلال هجمتها بعض عنفوانها لتحملهم أسوة بأقرانهم من النوع الجسور الذين اشتهروا بلقب صناع الموج. هؤلاء جميعا تلقى بهم على رمال الشاطئ بين تهليل مصطافين لا يميزون بين نوع ونوع. كلهم أبطال. كل راكبى الموج أبطال. كل من فى الميدان ثوار!!

<<<

صاحبنا من موقعه على الصخرة كان يراقب هؤلاء وأولئك، ومن هناك عرف أنه فى حالات كثيرة كانت الأمواج المرتدة تعود أقوى من الأمواج العاتية. وكانت هذه الأمواج المرتدة تصطدم بالأمواج العاتية فتكسرها أحيانا. أو تشتتها أحيانا أخرى. وفى معظم الأحيان كانت تتركها خائرة القوة تترنح فى مياه ضحلة قرب الشاطئ، او تسحبها معها إلى البحر العميق مكسورة الجناح خائبة الرجاء.



جميل مطر كاتب ومحلل سياسي