الحقيقة اتضحت فى الشرق الأوسط. دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، أدركت حقيقتين: الأولى أن الولايات المتحدة تنفصل عنها وتركز على المواجهة مع الصين فى شرق آسيا، وعلى روسيا فى أوروبا، ويهمهما أن يبقى الشرق الأوسط هادئا ومستقرا فترة طويلة.
الحقيقة الثانية تتعلق بالأولى وهى أن إيران تسعى لأن تكون دولة على عتبة النووى، ولن تحصل مباشرة على سلاح نووى، على الأقل فى الأعوام المقبلة. مع ذلك ستواصل إيران تآمرها على الاستقرار فى المنطقة.
وتدّعى جهات أمنية واستخباراتية غربية أن الولايات المتحدة أيضا تشارك هذا التقدير بشأن نيات إيران، لكن إدارة بايدن تواصل المفاوضات فى ڤيينا للعودة إلى الاتفاق النووى الأصلى لسنة 2015 من أجل تحقيق هدفين: منع «قفزة إيرانية» إلى قدرة نووية كاملة، وإبعاد إيران بقدر المستطاع عن إنتاج القنبلة حتى عندما تصبح دولة على عتبة النووى.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة اتفاق بين الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية على أن إيران لا تسعى فورا للحصول على سلاح نووى، بل تريد البقاء فى وضع دولة على عتبة النووى، وهى تستطيع من خلال ذلك تهديد جاراتها، وأيضا الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة، من دون التعرض للعقوبات.
صحيح أن إدارة بايدن تُظهر تشددا حيال الموقف الرافض لإيران والمراوحة فى مفاوضات ڤيينا. لكن يجب ألا نخطئ، بايدن سيقلل بقدر الإمكان من استخدام الوسائل العسكرية، وهو يأمل بتحقيق الأهداف فى الشأن الإيرانى بواسطة الكثير من الدبلوماسية والقليل من الضغط الاقتصادى. والآن على إسرائيل ودول الخليج الاعتناء بنفسها.
اتفاقات أبراهام بين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب وبين إسرائيل كانت السنونوة الأولى فى سلسلة خطوات مصالحة إقليمية نابعة من هذا الإدراك. ظاهريا، يبدو أن السعودية ودولا أُخرى فى الخليج تحاول التصالح أيضا مع إيران، لكن من الممكن التقدير بكثير من الثقة أن هذا مجرد بطاقة تأمين، بينما يجرى سريا نشاط إقليمى منسق لكبح إيران بكل الوسائل الممكنة. لا يمكن التحدث عمّا يجرى بعيدا عن الأضواء وما دور إسرائيل فى هذه النشاطات المشتركة. أيضا يدرك الإيرانيون جيدا أن جبهة شرق أوسطية معادية لإيران تجرى بلورتها وأصبحت فى مراحل متقدمة وبدأت بالعمل ضدها.
بالنسبة إلى إسرائيل، فهى لديها سياسة واضحة على الصعيد الأمنى بلورها نتنياهو فى أيام الحكومة السابقة، وخطوطها واضحة جدا:
فى الموضوع النووى تحرص إسرائيل من وراء الكواليس على ألا تتنازل إدارة بايدن فى موضوعات جوهرية، مثل الرقابة على تخصيب اليورانيوم ومشروع سلاح محتمل. كما تحاول إسرائيل إقناع الإدارة بعدم التسرع فى التخلى عن العقوبات.
بعد توقيع الاتفاق، من المحتمل الافتراض أن إسرائيل ستدخل فى نقاش جدى مع الولايات المتحدة فى سلتين من الموضوعات. الأولى تتعلق بالقدرة العسكرية التى لدى الولايات المتحدة وليست لدى إسرائيل وتطوير قدرات جديدة. السلة الثانية هى سياسية ــ استراتيجية تُعنى فى الأساس ببلورة تفاهمات بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن ما يجب فعله إذا قفزت إيران نحو سلاح نووى أو أصبحت قريبة من ذلك. مصدر أمنى رفيع المستوى يقول للصحيفة إن إسرائيل فى أى حالة لن تطلب الإذن للتحرك ضد إيران. وتريد أن يواصل الأمريكيون مساعدتها وألا تتخلى إدارة بايدن عنها إذا حان وقت الحسم.
مكوّن آخر فى السياسة هو زيادة العمليات ضد إيران على كل المستويات ولكن من دون ضجيج وتفاخُر مثل حكومة نتنياهو. جزء صغير تنشره وسائل الإعلام، لكن يمكن القول إن التعاون بين الجيش والموساد وأطراف إقليمية، وأيضا مع الأمريكيين أنفسهم، هى اليوم وثيقة ومكثفة أكثر مما كانت عليه قبل نصف عام.
تتخوف إسرائيل من أن تحصل إيران بعد توقيع الاتفاق على مليارات الدولارات التى تسمح لها بترسيخ اقتصادها وتقديم مساعدة كبيرة وأكثر سخاء إلى وكلائها.
يتفهم الإيرانيون الصورة، لذلك يصعّدون خطواتهم. الانفجار فى مرفأ دبى يمكن أن يكون جزءا من هذه الحرب، لكن الفصل الجديد فى تاريخ الشرق الأوسط لا يزال فى بدايته، ونتيجة ذلك من الممكن أن تتوحد جبهات يحاربها الجيش الإسرائيلى فى جبهة كبيرة واحدة؛ من التمركز الإيرانى فى سوريا، ومشروع الصواريخ الدقيقة فى لبنان، والذى يتواصل ويُقلق إسرائيل، وغزة، كما يجب عدم الاستخفاف بالتهديد من اليمن. كل هذه العوامل هى فاعلة اليوم ويمكن أن توحدها إيران وتحولها إلى جبهة واحدة ضد إسرائيل، فى الأساس إذا وُقّع الاتفاق، وإذا عادت مليارات الدولارات من تصدير النفط إلى التدفق.
رون بن يشاى
محلل عسكرى
يديعوت أحرونوت
مؤسسة الدراسات الفلسطينية