بسبب الحرب.. الإعلام السورى أكثر دهاء وإن ظل انتقائيًا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بسبب الحرب.. الإعلام السورى أكثر دهاء وإن ظل انتقائيًا

نشر فى : الخميس 13 أغسطس 2015 - 9:05 ص | آخر تحديث : الخميس 13 أغسطس 2015 - 9:05 ص

نشر موقع شاثام هاوس البريطانى مقالا للكاتب جيم موير، والذى يعمل مراسلا لدى البى. بى. سى فى بيروت ومتابعا للأزمة السورية منذ اندلاعها فى 2011، يتناول خلاله الأزمة السورية من زاوية الإعلام، مركزا على التناول الإعلامى منذ بدء الحرب الأهلية فى سوريا إلى الآن والتغيير الحاصل فى تناولها لكل من شخص الأسد والعمليات الحاصلة فى دمشق أو المدن محل النزاع. يبدأ موير مقاله بأنه بعد أكثر من أربع سنوات من الحرب السورية، تحاول فيها القوات الحكومية صد هجمات متمردى الدولة الإسلامية فى حلب، درعا، الحسكة وغيرها، فى حين تطلق العنان لهجوم مع حلفائها من حزب الله على الزبدانى التى يسيطر عليها المتمردون قرب الحدود اللبنانية، ظهرت فجأة ذات يوم قريب، إشارة «عاجل» تومض فى الجزء العلوى من الصفحة الرئيسية لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) وعلى شاشات التليفزيون. كان الخبر الهام اعلانا من وزارة التربية والتعليم أن 68.8 فى المائة من التلاميذ نجحوا فى الجولة الأولى من امتحانات شهادة الثانوية العامة.

ويبين موير أن تلك العناوين من هذا النوع قد تبدو خارجة عن السياق، فى بلد تمزقه بشكل واضح الصراعات الأهلية المتعددة ويموت فيها ما لا يقل عن مائة شخص فى حوادث عنف كل يوم. ولكن فى دمشق التى تسيطر عليها الحكومة، وفى أجزاء أخرى كثيرة من البلاد، تمضى الحياة، لذلك يجب أن يكون لمثل هذه البنود مكانها فى التغطية الإعلامية الرسمية لإظهار أن الدولة مازالت تعمل.

وبرغم ذلك يوضح موير أن تلك الأخبار لا تعنى أن السلطات تعيش فى برج عاجٍ، وتحاول التظاهر بأن كل شىء طبيعى. فقد كان هناك ما يشبه ذلك فى الأيام الأولى، ولكن الأمر الآن تجاوز كثيرا محاولات اكتساب المصداقية حتى لدى عتاة الموالين للنظام. ففى اليوم المذكور، استهلت نشرة الظهيرة فى تليفزيون الدولة فعلا بالهجوم على الزبدانى وغيرها من أخبار جبهة القتال، قبل أن تنتقل إلى نتائج الامتحانات.

•••

ويلاحظ موير أن دقة عمل وسائل الإعلام الإخبارية زادت منذ اندلاع الأعمال العدائية، وصارت أكثر مهنية نسبيا. وغالبا ما تتفاعل نشرات الأخبار، التى تبث محليا وحول العالم عن طريق الأقمار الصناعية، مع الأحداث بسرعة، وعلى نحو أقل تعقيدا مما كانت عليه فى أيام الاستقرار. ففى هجوم المتمردين الأخير على حلب، على سبيل المثال، ومع اعلان جماعات المعارضة عن تقدمها، أذاع التليفزيون السورى بسرعة برنامجا خاصا، بعنوان «هذه هى حلب» تم تقديمه كاملا من المدينة، مع البث الحى من حى الزهراء، الذى كان الهدف الأول للهجمات. وأظهر جثث المقاتلين المتمردين القتلى بشكل مفصل.

ويقارن موير ما يحدث الآن بما حدث فى ثمانينيات القرن الماضى. فعندما حدثت اضطرابات فى هذا الوقت، تم ببساطة حجب الأنباء، بما فى ذلك هدم نصف مدينة حماة خلال هجوم على جماعة الإخوان المسلمين. وفى وقت مبكر من الأزمة، أدرك النظام أنه، مهما كان محصورا فى فقاعة البعث السياسية التى تبلغ من العمر 40 عاما، يتعين على وسائل الاعلام مواكبة الزمن. وهكذا تم ربط البث التليفزيونى وموقع وكالة سانا بمجموعة من وسائل الإعلام الاجتماعية، بما فى ذلك إينستجرام، تويتر والفيسبوك.

ومن الأشهر الأولى للأزمة، كانت التغطية الإعلامية أحيانا جريئة بشكل يثير الدهشة، نظرا لطبيعة الاستبدادية للنظام. وخلال المرحلة التى كان نشطاء المعارضة يطلقون على كل يوم جمعة اسما خاصا ويخرجون فى مظاهرات بعد الصلاة، أطلقت الدولة البث الحى من عواصم المحافظات، بداية من دمشق، وأحيانا حتى كانت تغطى اضطرابات بعيدة.

ومن ديسمبر 2011، عندما بدأت سيارات مفخخة تنفجر فى دمشق وغيرها، كانت التغطية التليفزيونية المباشرة صريحة للغاية، بما فى ذلك لقطات للأشلاء التى يتم جمعها فى الدلاء.

وكان هذا العرض المفتوح عن الخروقات الأمنية صدمة شديدة لأولئك الذين اعتادوا الروح السابقة حيث كان الأمن لا يعترف أبدا بأى هفوات. ولكن هذا لا يشير إلى انفتاح الليبرالى الجديد: فعلى غرار كل شىء آخر فى وسائل الإعلام الحكومية، كانت الرسالة انتقائية موجهة دائما بعناية.

فقد كانت صور المذابح التى تعرض مرارا وتكرارا، تحمل رسالة واضحة إلى الجماهير فى كل مكان. فتقول للعالم بشكل عام «انظروا إلى العنف الإرهابى الطائش الذى نواجهه» وللجمهور السورى، خاصة الأقليات المتوترة، كانت الرسالة: «كونوا معنا، وإلا هذا هو المستقبل».

ويشير موير إلى طغيان وجهة نظر النظام على مجمل العمل الإعلامى. منذ البداية، كان يصور الأحداث على أنها «أزمة» ولكن ليست حربا أهلية. فإذا كانت حربا، هى مفروضة على سوريا من قبل الإرهابيين والمرتزقة الذين دفعتهم قوى خارجية معادية، لاسيما قطر والسعودية و«نظام أردوغان القاتل» فى تركيا. أما التعريف الأخير للوضع فهو «الحرب الجارية ضد الإرهاب التكفيرى»، فى اشارة إلى الجهاديين الذين يعتبرون أى مسلم لا يتفق معهم فهو كافر ويستحق الموت. وتكتسبت هذه الرواية زخما مع تطرف حركة التمرد الإسلامى على نحو متزايد. واتهم بعض الأصوات النظام بتشجيع هذه العملية، بما فى ذلك عن طريق الإفراج عن الجهاديين من السجن.

•••

وتوضح الإشارات الأخيرة إلى وقوع اشتباكات بين القوات الحكومية والمسلحين من كل من قوات الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ــ فرع تنظيم القاعدة فى سوريا ــ أن الجماعات الأخيرة «مدرجة على قائمة الإرهاب الدولية »، لتسليط الضوء على التوافق فى المصالح الذى تعجز القوى الغربى عن ادراكه. وفى إطار الرسالة الشاملة، يتغير الأسلوب والمحتوى مع تطور الأوضاع.

ويكشف موير أنه فى الأشهر الأولى، كان يتم الإعلان عن القتلى العسكريين بالتفاصيل، بما فى ذلك مقابلات مع الأرامل الثكالى. إلا أنه تم التغاضى عن ذلك عندما وصلت الخسائر إلى مستويات قد تؤثر على المعنويات. وعلى مدى العامين الماضيين، كان النشاط المتزايد للمقاتلين من حزب الله إلى جانب القوات الحكومية غير معترف به فى البداية. لكن فى الآونة الأخيرة، تشير التقارير التليفزيونية السورية إلى حملات قرب الحدود بمشاركة قوات «المقاومة اللبنانية» مع القوات السورية لمكافحة المتمردين. ولكن لا يزال دور حزب الله فى مناطق بعيدة عن الحدود قضية حساسة.

ويرى موير أن وسائل الإعلام الحكومية تحاول ان تخفف من التقديس لشخص الأسد، على الرغم من أن ذلك يمكن أن يرجع جزئيا إلى أن الأنشطة الرسمية للرئيس محدودة بسبب الحرب. غير أن الصورة التى تنشرها وسائل الإعلام هى أن النظام مكرس لتقديم الخدمات للمواطنين، واحترام الأقليات والدفاع عموما عن الحضارة ــ بدلا من حكم الأسرة ــ ضد جحافل المتعصبين.

فى حين يمكن استخلاص تلميحات وأفكار من خلال اتباع الطفرات فى الشكل والمضمون، إلا أن وسائل الإعلام السورية، كما هو الحال مع كل النظم التى تعمل بصورة سرية، لا تقدم حقيقة ما يجرى وراء الكواليس.

التعليقات