ماذا لو فاز رومنى بالرئاسة الأمريكية؟ - إيهاب وهبة - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 6:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا لو فاز رومنى بالرئاسة الأمريكية؟

نشر فى : السبت 13 أكتوبر 2012 - 8:35 ص | آخر تحديث : السبت 13 أكتوبر 2012 - 8:35 ص

«فى مصر، سأمارس نفوذنا، بما فى ذلك وضع شروط واضحة ترتبط بمساعداتنا، وسأحث الحكومة الجديدة على أن تمثل جميع المصريين، وتقوم ببناء مؤسسات ديمقراطية، وأن تحافظ على معاهدة سلامها مع إسرائيل. ويجب أن نحث أصدقاءنا وحلفاءنا على وضع شروط مماثلة ترتبط بمساعداتهم».

 

 

من خطاب رومنى أمام معهد فيرجينيا يوم 8 أكتوبر الجارى

 

فوز رئيس أمريكى، وهو فى سدة الحكم، بفترة ولاية ثانية، يعد أمرا شبه مؤكد، إلا فيما ندر. يتفوق الرئيس القاطن بالبيت الأبيض على منافسه بحكم خبراته المكتسبة، وإنجازاته فى ولايته الأولى، فضلا عن الظهور الإعلامى المجانى وشبه اليومى فى كل مناسبة تلتقطه فيها عدسات المصورين. لم يشذ على هذه القاعدة، منذ بداية القرن التاسع عشر إلا نفر قليل من الرؤساء. ثلاثة من هؤلاء مازالوا فى ذاكرتنا، وهم جيرالد فورد الذى خسر أمام جيمى كارتر عام 1976، وكارتر نفسه الذى خسر أمام رونالد ريجان عام 1980، وأخيرا جورج بوش الابن الذى تفوق عليه بيل كلينتون عام 1992. لم يكن يتمتع فورد بمقومات الزعامة، وتولى الرئاسة لاستكمال فترة ريتشارد نيكسون الذى استقال بسبب فضيحة ووتر جيت، أما كارتر فكان فشله فى التعامل مع أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين فى طهران سببا أساسيا فى إخفاقه، علاوة على تعاطفه الكبير مع القضية الفلسطينية فلم ترض عنه بالطبع الصهيونية العالمية. وبالنسبة لبوش فلعلنا نذكر الإهانة التى وجهها إليه كلينتون عندما قال عبارته الشهيرة «إنه الاقتصاد أيها الغبى»!

 

●●●

 

استرجعت شريط هذه الأحداث وأنا أتابع الأداء المتواضع للغاية الذى ظهر به الرئيس أوباما فى أول مناظرة له مع منافسه الجمهورى ميت رومنى يوم 3 أكتوبر الجارى. عهدنا دائما فى أوباما الفصاحة، والبلاغة، وسحر البيان. ونذكر كيف استطاع أن يسلب الألباب، ويدغدغ المشاعر عندما ألقى خطابه الشهير فى جامعة القاهرة يوم 4 يونيو عام 2009. لكنه خلال المناظرة الأخيرة ظهر فاقد التركيز، ضعيف الحجة، لم يستغل نقاط ضعف خصمه المعروفة. وخاصة قوله إن 47% من الناخبين الأمريكيين لا يدفعون الضرائب، وهم بالتالى عالة على الحكومة فى التأمين الصحى والمسكن وخلافه! أظهر استطلاع الرأى الذى أجرته شبكة CNN الإخبارية أن 67% من الناخبين المسجلين الذى استطلعت آراؤهم رأوا أن رومنى خرج فائزا من المناظرة، فى مقابل 25% فقط حصل عليها أوباما.

 

فاز رومنى «بالنقاط» فى المواجهة، لكنه بالقطع لم يفز بالضربة القاضية. مناظرة ثانية ستجرى يوم 16 أكتوبر، وثالثة يوم 22 أكتوبر مخصصة بالكامل للشئون الخارجية. لاشك أن أوباما سيكون فى وضع أفضل من خصمه عند مناقشة القضايا الخارجية التى يمارسها كرئيس لما يقرب من أربعة سنوات.

 

مع ذلك فإن المناظرة يوم 3 أكتوبر، وتوابعها، لاشك أنها أكسبت رومنى الكثير من الثقة بالنفس فى إمكانية تحدى رئيس فى السلطة ويتفوق عليه. لذلك علينا ــ والحال كذلك ــ أن نعد أنفسنا لتقبل مفاجأة غير منتظرة، تتمثل فى فوز رومنى بمقعد البيت الأبيض يوم 6 نوفمبر القادم. احتمال طالما استبعدناه حتى الآن، ولكن من يدرى؟ يعانى أوباما من نقاط ضعف كثيرة منها معدل البطالة المرتفع، وتضخم الدين العام، والعجز الكبير فى الموازنة. أنصار رومنى يكيلون التهم أيضا لأوباما لأنه قوى من شوكة الأعداء وأضعف من ثقة الحلفاء بسياسته التى غلبت عليها المهادنة بل والضعف أحيانا. علينا أن ننتظر ونرى.

 

●●●

 

لهذا وإلى أن يحين موعد الانتخابات علينا أن نلقى نظرة فاحصة ومدققة على ذلك المرشح الجمهورى ومواقفه، وبصفة خاصة فى القضايا المتعلقة بنا مباشرة.

 

لا يخفى على أحد تعاطف رومنى الكبير مع إسرائيل. زارها ثلاث مرات خلال خمس سنوات. كانت آخر الزيارات فى شهر يوليو الماضى حيث كال المديح لإسرائيل وفى المقابل أساء إلى الفلسطينيين أيما إساءة. تجمع رومنى مع نتنياهو صداقة ترجع إلى عام 1976 عندما عملا سويا فى أحد المكاتب الاستشارية فى مدينة بوسطن الأمريكية. أكد رومنى أثناء الزيارة الأخيرة لإسرائيل أن القدس هى عاصمة الدولة الإسرائيلية، ووعد بالعمل على نقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب. أعلن وقوفه بالكامل مع إسرائيل فى مواجهة الخطر المحدق بها من قبل إيران النووية. أما عن الفلسطينيين فقد اعتبر أن ثقافتهم هى ثقافة متدنية عن ثقافة مضيفيه، وأن إسرائيل تحظى بالتفوق الاقتصادى والعلمى على جيرانها من الفلسطينيين. نسى رومنى فى غمرة حماسة ورغبته فى إرضاء الإسرائيليين بأى ثمن، أن الشعب الفلسطينى إنما يخضع لاحتلال جائر وحصار مميت. لم يكلف رومنى نفسه عناء الذهاب إلى رام الله للالتقاء برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ــ كما يفعل معظم الزوار الأجانب ــ واكتفى بلقاء قصير جمعه برئيس الوزراء الفلسطينى سلام فياض فى القدس!

 

حضر رومنى حفلا لجمع التبرعات لحملته الانتخابية فى فندق الملك داود بالقدس، فاستن سابقة خطيرة فى العلاقات بين الدول، بأن سمح لنفسه أن يجمع التبرعات وهو على أرض دولة أجنبية، ويعلم الله وحده نوعية الوعود التى قطعها على نفسه فى مقابل ذلك. ولم يراع رومنى أيضا التقاليد المرعية فى تجنب انتقاد الرؤساء الأمريكيين طالما كانوا فى سدة الحكم، وذلك أثناء وجود المرشح على أرض أجنبية. على أية حال فقد نال نتنياهو النصيب الذى يستحقه من النقد هو الآخر، حيث اتهم بالتدخل فى الشئون الداخلية الأمريكية بتحيزه الواضح لرومنى على حساب أوباما.

 

كان هذا كله فى إسرائيل، أما مواقفه المعلنة داخل أمريكا فليست أكثر إشراقا أو مدعاة للأمل. بعد حفل لجمع التبرعات فى ولاية فلوريدا، نشرت إحدى المجلات نصا حرفيا لما نطق به رومنى أثناء الحفل: قال إنه لا يتوافر لدى الفلسطينيين أى رغبة فى إقامة السلام مع إسرائيل، بل عقدوا العزم على القضاء عليها (كذا). وعلى ذلك لا يمكن التوصل إلى حل الدولتين. جدير بالذكر أن رومنى قد أحاط نفسه بمجموعة من غلاة المحافظين الجدد الذين عانى العالم من طيشهم أثناء ولاية بوش الابن.

 

يبدو أن رومنى أراد أن يوضح سياسته فى الشرق الأوسط بشكل أكثر حرفية، فنشر مقالا باسمه فى صحيفة وول ستريت جورنال يوم 30 سبتمبر الماضى حمل عنوانا قد يبعث على الأمل، وهو «مسار جديد للشرق الأوسط». لم يحسِن المقال من صورة رومنى، بل ربما زاد الطين بله. اعتبر رومنى أن التطورات الأخيرة فى منطقة الشرق الأوسط جد خطيرة ومقلقة. أشار إلى مقتل آلاف السوريين، وتولى الإخوان المسلمين الحكم فى مصر فأصبحت معاهدة السلام فى نظره على المحك. أما إيران فإن العمل يجرى فيها على قدم وساق لإنتاج السلاح النووى وسط مخطط للقضاء على إسرائيل. ثم انتقد أوباما بشدة على اعتبار أن سياسته المهادنة قد شدت من عضد الأعداء وأضعفت الأصدقاء، ولم تعد الولايات المتحدة هى الموجه للأحداث الدولية بل أصبحت أسيرة لها.

 

●●●

 

على أية حال فقد علمتنا التجارب أن مرشحى الرئاسة عادة ما يتخلون عما سبق أن وعدوا به فى أثناء حملتهم الانتخابية، بعد أن يطلعوا على الحقائق ويتولوا المسئولية. والواقع أن استطلاعات الرأى ــ حتى بعد الخسارة التى منى بها فى المناظرة ــ تظهر استمرار تفوق أوباما على رومنى، حيث بلغت احتمالات فوزه على غريمه ــ على مستوى عموم الولايات المتحدة الأمريكية ــ نسبة الـ67% فى مقابل نسبة 33% ترجح فوز رومنى.

 

●●●

 

أعجبتنى نصيحة ــ أعتقد تماما فى إخلاصها ــ أطلقها أستاذ فى جامعة كيمبريدج فى مقال شيق نشرته مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية فى عددها الأخير، يحمل عنوان «الإبحار على مجرى نهر النيل». ملخص النصيحة أن السياسة الواقعية، والحكيمة، والحذرة التى أثبتتها إدارة أوباما فى التعامل مع مصر منذ ثورتها، يجب أن تعتبر النموذج الأمثل الذى على أى إدارة أمريكية جديدة ــ ديمقراطية أو جمهورية ــ أن تهتدى بها فى مسارها وحركتها المقبلة.

 

 

إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية
التعليقات