الاستغاثة بالكيماوى - فوّاز طرابلسى - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 11:29 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الاستغاثة بالكيماوى

نشر فى : الخميس 13 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 13 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

لم يعرف التاريخ المعاصر، على ما أعلم، حالة ابتز فيها حاكم العالم إذ هدد بإبادة اجزاء واسعة من شعبه بواسطة الأسلحة الكيماوية.

 

ومع ذلك فهذه هى الرسالة البسيطة التى يوجهها النظام السورى لشعبه من خلال العالم وللعالم من خلال شعبه. وقد كررها مؤخرا. ونقصد بالعالم الكيان المسمى تهذيبا «المجتمع الدولى». فى البدء، حرك الأسلحة الكيماوية وخرج ناطقا بلسانه (ما لبث ان انشق) ليؤكد أن النظام لن يستخدم تلك الأسلحة ضد شعبه. وهو نفى من قبيل التحذير. وها هو يحرك اسلحته الكيماوية مجددا ويكرر نفى النية فى استخدامها بل يصل إلى التشكيك فى وجودها اصلا على لسان فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية.

 

يستحق التهديد وقفة استهوال أخلاقية وانسانية حرى بها ان تطول لولا ضيق المجال فى هذه العجالة. والاستهوال هو لرخاوة ردود الفعل الدولية والاقليمية والأممية على هذا التهديد المضمر والعلنى بالإبادة الجماعية.

 

●●●

هلع العالم المتمدن و«مجتمعه الدولى» لا ضد امكانية استخدام الحاكم السورى السلاح ضد شعبه، بقدر هلعه لكون السلاح المعنى مصنفا من «أسلحة الدمار الشامل» وهى فصيلة من الأسلحة يخشى وقوعها فى الايدى غير الامينة لـ«الارهاب الدولى». هكذا ضرب النظام عصفورين بحجر واحد إذ لعب على اثنين من «خوافات» الغرب: خواف الارهاب، وخواف «أسلحة الدمار الشامل» وقد انصهرا كيماويا بعدما اعلن النظام السورى انه بات يقاتل الآن لا «المجموعات الارهابية المسلحة» بل «تنظيم القاعدة» مباشرة وبالاسم.

 

من جهة اخرى، غطى تحريك السلاح الكيمياوى على كل ارتكابات النظام من تعذيب الاطفال فى درعا إلى جرف الضواحى الفقيرة بواسطة صواريخ مقاتلات «الميغ» والبراميل الحارقة والمتفجرة والقذائف العنقودية وصولا إلى القذائف الفوسفورية ومرورا بالمجازر التى تريد اجهزة إعلام ليبرالية ويسارية اوروبية وامريكية ذات «سوية سياسية» اقناعنا بأنها ترتكب من الطرفين على حد سواء. هكذا بدت كافة أسلحة القتل على انها «شرعية»، أو محتملة أقلا، إلا السلاح الوحيد الذى تصنفه «الشرعية الدولية» على انه غير شرعى: الكيماوى.

 

لم يتوقف المفعول السحرى للكيماوى عند هذا الحد. اعطى تحريكه الفرصة للرئيس اوباما ــ الذى يطالب الرئيس الاسد بالتنحى منذ سنة ونصف السنة على الاقل ــ ان يتهرب من اية مسئولية عما يجرى فى سوريا. هذا اذا كنا من السذاجة فنفترض حسن النوايا. وفى حال انخفاض منسوب السذاجة، يمكن للإمبراطور ان يطمئن، بعد ٢١ شهرا، بأن ما كان مطلوبا لإضعاف سوريا، شعبا ودولة وجيشا واقتصادا ومكانة اقليمية ودولية، يفوق كل توقع تولاه نظام يتحمل المسئولية الاكبر فى تدمير بلده وتمزيق شعبه وإضعاف جيشه إلى الحد الذى يخرجه من أى قدرة على الضغط أو تحقيق التوازن أو القتال فى مهمة تحرير الجولان المحتل والمضموم.

 

●●●

 

ولكن ما الغرض من التهديد الكيماوى فى عملية خطف شعب بأكمله هذه؟

 

اذا كان لتخويف الثورة والثوار، فقد كسروا حاجز الخوف منذ اطفال درعا وساحة الساعة بحمص. وها هم بالأمس عادوا إلى التظاهر فى درعا بالذات.

 

ولقائل ان يقول إن التهديد تم بغرض ردع أى تدخل عسكرى خارجى. علما ان النظام اكتشف منذ فترة مبكرة ان التدخل العسكرى الاطلسى غير وارد. فبات على المهولين علينا بالتدخل العسكرى أن يفسروا سبب عدم حصوله حتى الآن.

 

هل افاد التلميح الكيماوى فى اعطاء النظام فرصة زمنية لإنجاز النصر الموعود ابتداء بمعركة بابا عمرو مرورا بصلاح الدين وصولا إلى كافة الجولات التى اعلن عن انها سوف تنتهى بعشرة ايام؟ الجديد فى الامر ان النظام لم يعد يتحدث عن نصر ولا عن حسم ولا عن مهل زمنية. فلم تنفع خطط ابادة لمدنيين بالمدفعية والطيران المنقولة من حملات الابادة الروسية فى الشيشان. ولا افلح كل ما يملكه الامن والحرس الثورى الايرانى من وسائل وحيل لضبط الشعب وقمع المعارضات بالشبيحة والقناصة ووسائل التعذيب والالكترونيات.

 

الاطراف فالتة من سيطرة السلطة. والمدن إما ساحات قتال وإما محاصرة عسكريا من اريافها والضواحى. والعاصمة دمشق مطوقة من معظم جهاتها ومطارها الدولى على مرمى النيران المعارضة المسلحة. وفى كل يوم يسقط حقل نفط أو ثكنة أو قاعدة أو محطة دفاع جوى أو مطار أو مركز امنى بيد المعارضة المسلحة ناهيك عن المرافق الاقتصادية الاستراتيجية مثل حقول النفط والسدود.

 

بناء عليه، فالتلويح المتجدد بالكيماوى، فى هذا الظرف بالذات، اعلان عن افلاس الحسم بواسطة السلاح الجوى. بل انه اشبه باستغاثة طلبا للحل. وهو، فى احسن الاحوال، محاولة يائسة لتحسين شروط تسوية وضعها النظام منذ البدء بيد الخارج وحطها اخيرا بيد الولايات المتحدة وروسيا.

 

بل ان هذا التهديد الكيماوى الاخير اعلان بأن النظام دخل ربع الساعة الاخيرة من عمره.

 

●●●

 

لن تكون الثورة السورية آخر الثورات العربية. والشعب السورى بالتأكيد عارف طريقه. على ان ربع الساعة الاخير مناسبة لاختبار الحلول المتداولية والتعلم مما جرى فى الثورات الاخرى.

 

حذار الحل اليمنى يبرئ الحاكم ويعيده للحياة السياسية من الباب بعد ان اخرجه من الشباك.

 

وحذار حل الطائف اللبنانى الطوائفى المذهبى.

 

وحذار من الحل الامريكى، الاب الشرعى لهذا وذاك. والقول لرياض الترك، المناضل الوطنى المخضرم الذى لم يخرج عن صمته عبثا الا ليعلن: ان الولايات المتحدة ليست تريد انتصار الثورة السورية.

 

بل ما تريده تسوية امريكية ــ روسية تتسارع معالمها هو فرض حكومة امر واقع إلى حين انتخابات ٢٠١٤ والعمل على الحفاظ على النظام بتنحية رئيسه ــ اذا اتفق على ان تنحى ــ واعادة تأسيس النظام السورى على قاعدة محاصصة طوائفية ــ مذهبية قوامها «الاسلام المعتدل» و«حقوق الاقليات» دون التفريط بقاعدة النظام العسكرية والامنية والتنفيذية.

 

●●●

 

يكفى المعارضة السورية معاينة نقمة شعب تونس ضد «القطرنة». أو مراقبة تجدد الثورة المصرية ضد «القطرنة» و«السعودة» الداعمتين للجموح الديكتاتورى للرئيس محمد مرسى. اراد الدكتور عصام العريان تذكيرنا بأن عبدالناصر لم يهتم قطعا بالشعب ولا بالديمقراطية. وهو خليق بأن نذكره بأن «جماعة الاخوان المسلمين» كانت زمن عبدالناصر تتعامل مع المخابرات البريطانية والسعودية، تقبض الاموال، حسب ما هو مكشوف وموثق الآن، من أجل تسلم الحكم بعد العدوان الثلاثى على مصر العام ١٩٥٦. ولم يكن ذلك قطعا تنفيذا لأى برنامج وطنى ولا لبناء الديمقراطية فى مصر. وهى مناسبة ايضا لتذكير السيد لاريجانى بأنه خير له ان يطبق الديمقراطية فى بلاده بدل ان يشنف آذاننا بترانيم عن ضرورة الحلول الديمقراطية فى... سوريا.

 

 

 

سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى

فوّاز طرابلسى سياسى وكاتب وأستاذ جامعى لبنانى
التعليقات