لا تصلح شماعة الخلل العقلى هذه المرة لتبرير جريمة قطار الصعيد، فمن الواضح تماما أن هناك من يدفع البلد بقوة ودهاء إلى جحيم طائفى، وعليه يجب أن ننتبه جميعا إلى أننا الآن بصدد تكتيك يعتمد على إشعال حوادث فردية هنا وهناك فى إطار استراتيجية مخفية لا تريد للاحتقان الطائفى أن يخمد.
إن كل شىء يمكن أن يفلت زمامه فى لحظة، وأزعم أن ذلك الحادث الفردى بواسطة مختل عقليا قابل للتكرار فى أكثر من نقطة ساخنة على الخريطة الاجتماعية فى مصر.
ذلك أن جريمة قطار الصعيد تبدو مناقضة تماما لحقيقة ناصعة أظهرتها جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية ارتفع معها منسوب الحرص على الوحدة الوطنية بين الناس العاديين إلى أعلى مستوياته.. وثبت أن هناك خوفا جمعيا حقيقيا من انجراف مصر إلى دائرة جهنمية من التجاذبات الطائفية تنذر بالإتيان على الأخضر واليابس.
والواضح أن من يهمه إشعال الفتيل يوجه ضرباته بمنتهى الدقة من حيث اختيار التوقيت والمكان، وكأنه يريد أن يقطع الطريق على أى محاولة للبحث عن حلول ناجعة لجذور المشكلة، بإغراق الكل فى دوامات ودوائر عنف صغيرة قابلة للانتشار.
وبالنظر إلى الضبابية التى غلفت تفجير الإسكندرية، والمباغتة التى حملتها حادثة قطار الصعيد فإن كل شىء وارد وعلى جهات التحقيق ألا تهمل مختلف الاحتمالات حتى وإن كانت ضئيلة، لأن تطورات الأحداث تقول إننا نواجه خطرا حقيقيا، يستوجب «عقلنة» الغضب والحزن ووضعهما فى إطارهما السليم.
والحاصل أن جريمة القطار وإن كانت طائفية الملامح فإنها أيضا استهدفت صب المزيد من الزيت على نار الغضب القبطى واستثماره إلى آخر مدى.
ومن هنا تبدو ردود أفعال الإخوة «أقباط منشية ناصر» لافتة للنظر فى سرعتها والطريقة التى تدار بها، حيث يخرج العشرات وربما المئات لقطع طريق الأوتستراد ورشق المارة والسيارات بالحجارة، وهنا مكمن الخطورة، إذ لا أحد يضمن ألا يشتبك بعض من تصيبهم الحجارة الطائشة مع مطلقيها، ما قد يفضى إلى حالة من الفوضى والانفلات غير معروفة الحدود، خاصة أن هذه المنطقة تحديدا تحتها بحيرة من المشاكل الحياتية اليومية.
ولا ينبغى ونحن نتابع صيرورة وسيولة الوضع فى مصر ألا نغفل أن كل الدول العربية الآن تتخبط فى بحر هائج من الفوضى الخلاقة التى تتخذ شكلا يقترب من الثورة الشعبية فى تونس، والقلاقل الاجتماعية فى الجزائر والأردن، والزلازل السياسية فى السودان ولبنان وقبل ذلك العراق.
مرة أخرى.. لننتبه جميعا لأن دوى الانهيارات يسمع بوضوح فى توقيت واحد بأكثر من دولة عربية.. هل هو الشرق الأوسط الجديد؟