رسالة إلى البرلمانيين الجدد - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة إلى البرلمانيين الجدد

نشر فى : السبت 14 يناير 2012 - 9:25 ص | آخر تحديث : السبت 14 يناير 2012 - 9:25 ص

السادة الأعضاء الجدد فى البرلمان.. لقد وضعت الأمة فى أعناقهم أمانة فلا تضيعوها، ومسئولية فلا تنكصوا عن حملها. ولو كان لى من كلمات قد تعينكم على قابل ما أنتم مقدمون عليه، فهى نصائح عشر.

 

أولا: التواصل الفعال خارج البرلمان مع فئات ثلاث: أولا مع أهل الدائرة التى انتخبتكم عبر اجتماعات نصف شهرية تستمعون فيها لأهل الدائرة من مطالب وأفكار. ولكن الحذر الحذر أن يكون منطقكم فى الحكم على الأشياء هو تغليب الصالح الخاص أو المحلى على الصالح العام والوطنى. كم من أشخاص سيطلبون منكم أن تساعدوا أبناءهم على التوظف مثلا مع أن مؤهلاتهم ضعيفة بحكم الدراسة والخبرة وهناك من هم أفضل منهم بحكم المؤهل والخبرة، فليكن لسان حالكم: «سنسعى للمساعدة، ولكننا أقسمنا قسما يضع علينا قيدا وهو أن نعمل مخلصين من أجل صالح مصر كلها». أما الفئة الثانية التى ينبغى التواصل معها فهى جماعات المصالح من نقابات وغرف وتجمعات تعبر عن مصالح ورؤى قطاعات من المواطنين لهم مطالب مشروعة؛ فهؤلاء عادة يأتون لكم بالمشكلات ومقترحات حلها، وواجبكم أن تنصتوا إليهم وأن تساعدوهم على أن يجعلوا مطالبهم جزءا من مطالبكم. أما الفئة الثالثة فهى مجامع التفكير ومراكز الدراسات التى يكون فيها باحثون ودارسون لهم أفكار جيدة للنهوض بأحوال البلاد فى مجالات مختلفة والقليل من هذه المراكز مستقل إداريا وماليا (وهذا أفضل عادة) والكثير منها تابع للجامعات.

 

ثانيا: الفكرة تواجهها فكرة مقابلة. فلا يكفى لنائب البرلمان أن يكون كل دوره أن يعترض على أفكار ومقترحات الآخرين، ولكن عليه، بالتعاون، مع زملائه وآخرين أن يستعينوا بأهل الاختصاص من غير أعضاء البرلمان لدراسة قضية ما وتقديم المقترحات الملائمة.

 

ثالثا: لا تنازعوا فتفشلوا. دخول البرلمانى إلى البرلمان يقتضى منه المزيد من التنسيق مع زملائه المنتمين لنفس الحزب أو التيار وكذلك مع آخرين من غير تياره السياسى. وفكرة الاجتماعات الجانبية المنتظمة مع نواب آخرين من نفس التيار أو تيارات أخرى تكسر الحواجز النفسية وتدعم التعاون بين الجمعى.

 

رابعا: احموا وتنازلوا: مفهوم تماما أن كل نائب أو تيار سياسى لديه ما يعتقد أنه من الثوابت أو الخطوط الحمراء التى لا يمكن له أن يقبل معها مفاوضات أو حلول وسط. لكن الملاحظ أن البعض يختلط عليه الأمر ويعتقد أن حماية الثوابت يعنى عدم التعاون مع الآخرين على الإطلاق، وهنا يحدث الاستقطاب المعطل لمصالح الأمة. ولذا فعلينا أن نتعاون بالتنازل عن بعض الأمور التى قد نحتاج التنازل عنها من أجل مصلحة أكبر تخدم الصالح العام، ولا نخلط بين الأمرين.

 

خامسا: الجدل المفضى للتطور. من المفيد تماما استيعاب فكرة أن أغلب مشكلاتنا ليست بسيطة أو بديهية وإنما بحاجة لنقاش عميق وجدل خلاق بين أصحاب الرؤى المختلفة وأصحاب المصالح المتعارضة أحيانا. والنقاش والجدل يفضى إلى إيضاح بعض جوانب الصورة التى كانت غائبة قبل النقاش. لذا فعلى النائب ألا يضطرب من النقاش، بل يقدم عليه، ويتبنى ذهنية منفتحة قادرة وراغبة على تمييز مناطق الضعف فى الفكرة الجيدة، ومناطق القوة فى الفكرة الرديئة. وبهذا يكون الجدل مفيدا فى تطوير الأفكار والاقتراحات وتذكروا أن مصالح الأمة تعتمد على حسن التفاعل مع الآخرين بالذات من التيارات الأخرى.

 

سادسا: تجنب خطيئة القرارات النابعة من نمط تفكير مجموعة متشابهة فى منطلقاتها الفكرية. لو رجعنا لأغلب القرارات الخاطئة التى اتخذتها أى دولة سنجد أنها نبعت من مجموعة من الناس متشابهون فكريا وكأنهم ارتدوا نفس النظارة ذات نفس اللون فرأوا الدنيا بنفس الطريق ولم يسمحوا لأشخاص لهم رؤى مختلفة أن يتجادلوا معهم أو أن يوضحوا لهم مواطن الخلل فى أفكارهم. لذا إن التقت مجموعة تنتسب إلى نفس التيار ووصلت لبعض الاستنتاجات، عليهم أن يكونوا حذرين من أن أفكارهم فى ميزان الأفكار، وكأنها فكرة واحدة لشخص واحد لأن كل العقول تراضت على التفكير بنفس الطريقة وفى نفس الاتجاه. وهنا يكون من المهم، ومن الصالح العام، الاستعانة بخبراء محايدين فكريا، أو أشخاص ينتمون إلى تيارات أخرى للنظر فى نفس القضية من وجهة نظر أخرى. حتى فى الديمقراطيات يحدث هذا الخطأ؛ فقرار غزو الولايات المتحدة للعراق، اتخذ بهذه الطريقة الخطيرة.

 

سابعا: لا تتطوعوا بصناعة أبطال مزيفين. البرلمان ليس ساحة لصناعة البطولة عبر الصوت العالى أو الإدعاء بالبطولة سواء لأى من أعضائه أو لأى من غير أعضائه. ستمر بالبرلمانيين الجدد قضايا قد تجعلهم يتبنون مواقف قد تؤدى إلى مفاسد أكثر من المصالح بالذات إن كان الأمر يتعلق بأعمال أدبية أو فنية أو غيرها مما قد تظن القوى المحافظة أنها تدخل فى صميم مساحة ثوابتهم. وأذكر الجميع بأن سلمان رشدى كتب ثلاث روايات قبل رواية «آيات شيطانية» وما أخذ الرجل شهرته وما ارتفعت مبيعات رواياته إلا بعد أن صدرت فتوى بإهدار دمه من الخومينى ليتحول الرجل من كاتب رواية فاشل إلى «قديس الحرية» فى الغرب ضد «بربرية المسلمين». وكأن الفتوى صدرت خدمة له وصنعت من بطلا بلا مناسبة.

 

ثامنا: ركزوا على المنتجات النهائية، وليس على المخرجات الإدارية. مقياس نجاح البرلمانى، ليس بعدد الاجتماعات التى حضرها أو الأوراق التى قرأها وكتبها، وإنما بالعائد النهائى الذى يعود على المواطنين من عمله واجتهاده. المعيار ليس كم جلسة حضرتها؟ ولكن المعيار: كم عدد المواطنين الذين جعلت حياتهم أفضل اليوم؟

 

تاسعا: توسيع الحلال مقدم على تضييق الحرام. أنا لا أحب أن أعيش فى مجتمع فيه ما يتناقض مع ما هو قطعى الثبوت بحرمته من دينى. ولكن فى نفس الوقت لا يمكن أن نخدم الحلال بطريقة حرام وألا نحقق أهدف الإسلام بطريقة تتعارض مع الإسلام مثلا. ولو كان لنا من سند من منهج القرآن بتوسيع أبواب التخلص من الرق، وتضييق أبواب زيادته، فهذا هو المنهج الأسمى فى تقديرى المتواضع. بدلا من النقاشات المطولة بشأن كيفية التخلص من البنوك التقليدية (الموصوفة بالربوية)، عليكم أن تجتهدوا فى كيفية التوسع فى البنوك التى لا تعتبر ربوية وتزيد مساحة الاختيار أمام الناس، بل يكون النقاش مع أولئك الذين لا يرون هذه البنوك التقليدية غير ربوية للتأكد أننا لا نضيق واسعا.

 

عاشرا: الشيطان شاطر فى الشر. وقد دخل الكثير من البرلمانيين الجدد ساحة سلطة وقد يغلب على البعض الرغبة فى إثبات الذات وتحقيق مصالح شخصية. وأنت مطالبون بأن تعلموا أنها أمانة وأنكم ستحاسبون عليها دنيا وآخرة، فخذوها بحقها بأن تحتاطوا لمواطن الشبهات. وأول ما يمكن لكم أن تقدموا أن تطالبوا بمراجعة حصانات أعضاء المجلس التى هى على الورق ليست كثيرة ولكنها عمليا كبيرة لأنها كانت جزءا من حسابات النظام الفاسد بمنطق «شيلنى وأشيلك». وهو ما يقتضى كذلك أن يكون واضحا أن الرقابة البرلمانية تقتضى الابتعاد عن مواضع تضارب المصالح والتوقف التام عن التجارة أو البيع والشراء مع الدولة، وهو أمر مكتوب (لكنه لم يكن معمولا به) فى ظل الدساتير السابقة.

 

البرلمان ساحة لقهر الاستبداد، ولا ينبغى أن يكون ساحة لصناعة استبداد جديد.

 

هذا ما أمكن إيراده، وتيسر إعداده، وقدر الله لى قوله فى هذا الأمر. اللهم إنى بلغت، اللهم فاشهد.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات