مشهد الحسابات الخاطئة - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 5:31 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشهد الحسابات الخاطئة

نشر فى : الأحد 28 أبريل 2024 - 7:30 م | آخر تحديث : الأحد 28 أبريل 2024 - 7:30 م

 فلنفترض أن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران مجرد مسرحية، وأننا نرى مشاهد متفقا عليها بإخراج من الولايات المتحدة.

ولو كان الأمر كذلك فلقد شاهدنا للتو نهاية مشهد الرسائل المتبادلة، ولو ثمة مشهد إضافى، فإنه مشهد اللكمات المتبادلة، والتى عادة نشاهد فيها تطور المواجهات حتى اندلاع الحرب.

ولذلك، أغلب الظن أن العواصم المعنية فى الإقليم وفى الخارج، تحاول منع تدهور الموقف، وذلك ليس حبا فى الطرفين، وإنما حفاظا على المصالح الذاتية.

• • •

لنبدأ باستعراض مصالح إيران ذاتها التى تعرضت قنصليتها لاعتداء فى دمشق من جيش الاحتلال الإسرائيلى. من فضلك، أعد قراءة الجملة السابقة مرة أخرى ثم انتقل إلى الجملة التالية.

ولنبدأ باستعراض مصالح إيران والتى تعرضت قنصليتها فى دمشق إلى القصف، كرد فعل إسرائيلى متوقع على دور إيران فى حرب 7 أكتوبر.

قد يظن البعض أن هذا هو جوهر الموضوع، ولكن مصالح إيران لا تدور حول غزة، وإنما تدور حول طهران.

بمعنى آخر، إيران مثل أى دولة فى العالم تضع مصالحها فوق أى اعتبار آخر، وهى لم تستهدف إسرائيل يوم 13 إبريل دفاعا عن الشعب الفلسطينى، وإنما دفاعا عن سمعتها.

ومن متابعة هذا المشهد، نفهم بعض الأمور، منها أنها المرة الأولى التى توجه فيها إيران من أراضيها ضربة مباشرة إلى إسرائيل، مما غير الموقف الاستراتيجى بين الدولتين.

فقبلها كانت إيران تتحلى بالصبر الاستراتيجى وتتحمل ضربات داخل أراضيها من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وتكتفى بالرد عن طريق إحدى أذرعها بالمنطقة.

والهجمات الوحيدة المباشرة كانت الهجمات السيبرانية المتبادلة. لكن تغير الموقف بضربة 13 إبريل. وتسوق إيران ذلك على أنه نصر استراتيجى، بعدما أفشلت معادلة الردع الإسرائيلى التى تدور حول منع أى اعتداء مباشر على إسرائيل.

إيران ووكلاؤها سعداء بهذه النتيجة حتى بعد هجوم إسرائيل بالمسيرات يوم 19 إبريل على قاعدة جوية إيرانية فى أصفهان. ولكن هذا ليس ختام المسرحية، وإنما بداية الحسابات الخاطئة.

• • •

لنستعرض مصالح دول الخليج، وسط هذه المواجهة، حيث تتركز أهم مصالحها الاقتصادية فى مجال البترول الذى قفزت أسعاره إلى 91 دولارا للبرميل بواقع 3.5% فى ساعة واحدة إثر الهجمات قبل أن تتراجع مجددا دون مستوى التسعينات.

ولكن المسألة ليست فى الأسعار، وإنما فى الإمدادات، فلقد هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز حال تعرضها لضربة كبيرة، مما يعطل صادرات البترول وعوائده.

كما تؤثر حالة عدم الاستقرار هذه على الاستثمار الأجنبى المباشر، وقد تسحب الشركات دولية النشاط مقراتها الإقليمية من الخليج لحين عودة الاستقرار.

كل ذلك ينعكس بالسلب على أداء أسواق المال الخليجية.

• • •

لكن ماذا عن مصالح الولايات المتحدة؟! يبدو أنها لا تريد التصعيد فى المنطقة، لأن ذلك يشغلها عن أمور أهم استراتيجيا بالنسبة لأمنها القومى.

فهى تورطت فى حرب غزة وأعطت لإسرائيل الفرصة لتطويل الحرب كيفما تشاء لحين استعادة قدرتها على الردع، لكن تمر الشهور بدون نجاح إسرائيل فى ذلك، وتتوسع الحرب الآن إلى مستوى الإقليم أمام أعين الجميع.

ولقد أثرت حرب غزة على قدرة الولايات المتحدة فى مساندة الجبهة الأوكرانية، مما سمح لروسيا بالتقدم بشرق أوكرانيا.

كما تتحسب الولايات المتحدة للعملاق الصينى، الذى يسعد بما يراه من تشتت واشنطن بين أوكرانيا، وبين إسرائيل، بينما تتابع هذا التشتت وعيونها على تايوان وبحر الصين الجنوبي.

والصين أكثر رشادة من الانخراط فى حرب، ولكنها تغير الموقف بالتدريج وعلى مدى زمنى طويل، وتمسك بورقة الاقتصاد لتحقيق ذلك عن طريق مصيدة الديون، ما يستعصى تحقيقه بورقة القوة.

وفى ظل هذا المشهد، الذى تتراجع فيها مصالح الولايات المتحدة نجد إدارة بايدن منخرطة مع إسرائيل، وتجتهد لمنع اندلاع حرب بينها وبين إيران مهما كانت الأسباب.

فمن شأن تلك الحرب أن تتحول سريعا لحرب دينية، لاسيما أن اليمين الحاكم فى إسرائيل مصمم على ذبح بقرات حمراء فى باحات الأقصى، لتسريع ظهور المسيح. وكل ذلك لا يخدم استراتيجية الولايات المتحدة ولا مصالحها، ومن ثم نتساءل عن معنى تقاعس إدارة بايدن فى كبح جماح حكومة نتنياهو.

• • •

ماذا عن الطرف الإسرائيلى الذى يبدو أنه لا يكترث بالتداعيات، ويستمر فى إسرافه فى القتل والإبادة الجماعية فى غزة، ويفعل المستحيل لتوسيع دائرة الحرب لتشمل مواجهة مباشرة مع دولة بحجم وإمكانيات إيران، كما يريد إقحام الدين فى الصراع غير عابئ بأى تبعات.

ما هى مصالح إسرائيل التى تتحقق وسط كل هذه الفوضى؟ هل تسعى مثلا إلى جرجرة الولايات المتحدة فى مواجهة مباشرة مع إيران؟ لقد رفضت إدارة بايدن الانخراط فى هذا التصعيد، أخذا بالاعتبار أن الضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران أثبتت عدم قدرة إسرائيل منفردة على صد تلك الهجمات، ناهينا عن ردع إيران.

من هذا المنطلق تبدو تصرفات إسرائيل أبعد ما تكون عن المنطق، فلقد كسبت عداء أجيال من العرب، وتشوهت صورتها فى العالم، وتراجعت مكانتها الدولية، وتضررت سمعتها لدى المنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدنى، كما فقدت قدرتها على الردع، وأصبحت حدودها، وسماؤها مستباحة.

ولم يتبق لها غير ورقة توت واحدة تتمثل فى الاتفاق الإبراهيمى، والذى يبدو أنه متماسك إلى الآن فى ظل تبادل الهجمات مع إيران.

يبدو أن حكومة نتنياهو اقتنعت برأى إدارة بايدن التى ترى بأن انخراط بعض الدول العربية فى التحالف الذى كونته للتصدى لهجوم إيران يوم 13 إبريل، هو بمثابة الطريق البديل الذى يغير المعادلة لصالح إسرائيل، وكأن حرب غزة لم تكن.

وهذه حسابات أخرى خاطئة، فصمود غزة المستمر، مع بقاء الأسرى، يفشل مشهد نهاية المسرحية التى تسعى الولايات المتحدة لإخراجه.

هذا ولم تنتصر إسرائيل، ولم تحقق أيا من أهدافها لا فى غزة، ولا فى الإقليم، بل تدفع المنطقة لحسابات أكثر خطأ عبر ذبح البقرات الحمر على أعتاب الأقصى.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات