هل علينا أن نخشى من رؤساء شركات الاتصالات الكبرى؟ - معتمر أمين - بوابة الشروق
الخميس 30 يناير 2025 7:05 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هل علينا أن نخشى من رؤساء شركات الاتصالات الكبرى؟

نشر فى : الثلاثاء 28 يناير 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 يناير 2025 - 7:50 م

 أدى الرئيس الأمريكى رقم 47 دونالد ترامب، اليمين الدستورية فى الكونجرس الأمريكى وسط أنصاره وبحضور لفيف من النخب الأمريكية، وكان فى الصف الأول من خلفه رؤساء أكبر شركات الاتصالات والتكنولوجيا فى العالم. أقسم ترامب اليمين بنفس القاعة التى شهدت هجوم أنصاره فى 6 يناير عام 2021، وهو خارج من رئاسته الأولى، فى إشارة بأنه سيستكمل ما كان يقوم به فى فترته الأولى، والتى قطعت قبل الأوان بفوز خلفه جوزيف بايدن فى انتخابات 2020، التى يعتبرها ترامب سرقت منه بغير وجه حق.

بمجرد حلفه اليمين ألغى ترامب عشرات القرارات التى اتخذها سلفه الرئيس بايدن، واستبدلها بعشرات القرارات ليثبت لأنصاره، والجمهور الأمريكى، والعالم، بأنه جاد فيما يفعل، وأنه يغير وجهة أمريكا بعيدًا عن سياسات الحزب الديمقراطى التى أضرت بمصالح أمريكا بحسب رؤية ترامب. ولقد نبه بايدن فى خطابه الأخير وهو خارج من البيت الأبيض مما هو قادم، وحذر من تصاعد «حكم الأوليجاركية»، وهم رؤساء شركات الاتصالات والتكنولوجيا الكبرى، واعتبر ذلك تهديدًا للديمقراطية فى الولايات المتحدة. فهل علينا أن نخشى من هذا الصعود؟

• • •

لقد خرج ترامب من رئاسته الأولى بعد معركة ضارية مع كل وسائل الإعلام الأمريكية، لم تتعامل معه على أنه رئيس، لكن على أنه غير جدير بالرئاسة، وأنه وصل للحكم عن طريق لعبة قامت بها المخابرات الروسية استغلت فيها شبكات التواصل الاجتماعى لتضليل الناخبين الأمريكيين. بمجرد خروج ترامب من البيت الأبيض، تم حظره من العديد من المنصات، بحسب ما أعلنه كبار رؤساء شركات الاتصالات، مثل جاك دورسى، الرئيس السابق لمنصة «تويتر» (غير اسمها الملياردير إيلون ماسك إلى منصة إكس بعدما اشتراها فى نهاية 2022)، ومثل مارك زوكربيرج رئيس شركة ميتا المالكة لمنصة فيسبوك. واختفى ترامب وكأنه غير موجود. ثم استدار الزمن، وبعد أربع سنوات، نجد فى المقاعد المميزة بالصف الأول فى حفل تنصيب ترامب، أغنى رجال الأعمال فى العالم، على رأسهم إيلون ماسك، والرئيس التنفيذى لشركة أمازون جيف بيزوس، والرئيس التنفيذى لشركة ميتا مارك زوكربيرج، والتى تناهز ثروتهم 900 مليار دولار بحسب مجلة فوربس، المتخصصة فى شئون أغنياء العالم.

حضور هؤلاء الأغنياء يعبر عن انتقال للمقاعد المميزة فى السلطة، حيث جلسوا أمام وزراء إدارة ترامب أنفسهم، مثل ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكى الجديد. ولقد عين ترامب الملياردير إيلون ماسك على رأس لجنة جديدة تهدف لخفض الإنفاق الحكومى. وماسك، الذى تبرع بأكبر مبلغ لحملة إعادة انتخاب ترامب، حوالى 250 مليون دولار، يمثل فى ذات الوقت شركة خاصة تحصل على عقود حكومية بعشرات المليارات من الحكومة الأمريكية، وبعض تلك الشركات ليست على وفاق مع القوانين المقيدة التى تصدرها الحكومة الفيدرالية. ولذلك، الإجراءات التى سيتخذها ماسك لتقليل حجم الإنفاق فى واشنطن، والمرتبطة بتقليل حجم الحكومة الفيدرالية بمقدار «الثلث»، قد لا تحمل فوائد كثيرة للعمال، ومتلقى الخدمات، وقد تأتى لصالح التوسع فى نشر السيارات الكهربائية التى تنتجها شركات مثل شركات ماسك.

أبدى ماسك فرحته بما أعلنه ترامب فى حفل تنصيبه من السعى لوضع أول علم على كوكب «المريخ»، وذلك لأن ماسك هو الرئيس التنفيذى لشركة «إكس سبايس» التى تعمل فى مجال الفضاء، ومن ضمن أنشطتها خدمة توصيل الإنترنت عن طريق الأطباق الصناعية، والتى لولاها لانقطعت وسائل الاتصال لدى القوات الأوكرانية منذ شن روسيا الحرب ضد أوكرانيا فى 2022. ويعمل ماسك على توصيل الإنترنت عن طريق الأقمار الصناعية لكافة أرجاء العالم، ولكن محاولاته فى غزة لم تشهد نفس النجاح، بعدما حذرته الحكومة الإسرائيلية، من تبعات هذا القرار، فى إشارة إلى نفوذ اللوبى اليهودى فى واشنطن، والذى يستطيع تقويض دعائم شركات ماسك إن لم يغير سياساته.

فى سياق متصل، لم يستطع ماسك إعادة تقييد منصة إكس بمعايير حذف المنشورات المؤيدة لغزة، والتى تفضح جرائم الإبادة التى قامت بها إسرائيل طيلة 15 شهرًا من عمر الحرب. فلقد سبق وأن أزاح ماسك لجان تصويب الحقائق التى كانت تعمل كرقيب يصادر حرية الرأى قبل أن يشترى الشركة. على أى حال، كانت منصة أكس أفضل بكثير من الفيسبوك الذى تبنى سياسة متشددة وطبقها بكل صرامة على أى منشورات تفضح ما تقوم به إسرائيل فى غزة.

• • •

حضر مارك زوكربيرج حفل التتويج، ولكن قبل حضوره بأيام، أعلنت شركة ميتا، تعليق جهود «التدقيق فى المحتوى» الصارمة، وإنهاء التعاقد مع شركات «التثبت من الحقائق»، واستبدلتها بسياسة منصة إكس القائمة على جهود المستخدمين الذين يبلغون عن المعلومات المضللة. وعبر زوكربيرج عن قناعته بأن الأشخاص المسئولين عن التدقيق فى المحتوى منحازون سياسيًا. وبينما انتقد كثيرون هذا القرار واعتبروه سببًا لزيادة وتيرة العنف، وعدم الاستقرار السياسى، وحتى زيادة جرائم الكراهية عبر العالم، لكن هذا القرار ينسجم مع ما أعلنه ترامب فى حفل تنصيبه بأنه سيوقع أمرًا تنفيذيًا لضمان حرية التعبير ورفع الرقابة، وأن سلطة الدولة لن تستخدم فى قمع الخصوم السياسيين.

من المفارقات، إعلان شركة ميتا عن هذا التحول، وهى التى حظرت حساب ترامب عشية خروجه من البيت الأبيض فى 2021. ولكن هل معنى ذلك أن سياسات حذف المحتوى، وحظر الحسابات، والتضييق على «الترند» ستختلف فى حالة التأييد للقضية الفلسطينية على سبيل المثال؟ هل سيتاح نقد الهمجية «الإسرائيلية»؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة، وسيشعر به المستخدمون بتلقائية.

• • •

كما كان من ضمن الحضور بالمقاعد المميزة الرئيس التنفيذى لشركة آبل تيم كوك، والرئيس التنفيذى لشركة ألفابيت سوندار بيتشاى. حيث يبدو أن ثمة منافسة محتدمة فى واشنطن على من سيستحوذ على نصف شركة تيك توك. نلاحظ فى هذا السياق، بأن الكونجرس الأمريكى صوت فى 2024 بأغلبية ساحقة لحظر تطبيق تيك توك فى الولايات المتحدة على أن ينفذ القرار فى يناير 2025، بسبب مخاوف مرتبطة بالأمن القومى. لكن هذه المخاوف لم تمنع ترامب من دعوة شو زى تشيو، الرئيس التنفيذى للشركة، لحضور حفل تنصيبه. وأمر ترامب بوقف حظر الشركة مؤقتًا، وأبدى رغبته فى استحواذ إيلون ماسك على حصة فى الشركة تصل إلى 50%. ومن ثم يتضح أن مسألة الحظر ما هى ورقة ضغط أثناء التفاوض.

كما يبدو أن ما وراء المسألة ليس فقط الأمن القومى الأمريكى، لكن أيضًا الدور الهائل الذى قام به تطبيق تيك توك فى توعية جمهور المستخدمين بالولايات المتحدة (170 مليون مستخدم) عن ممارسات الإبادة التى قامت بها إسرائيل طيلة 15 شهرًا من حرب غزة. لكن فجأة تغيرت سياسات التطبيق وحظر كلمات مثل «فلسطين حرة»، مع تقدم مفاوضات الصفقة.

فهل علينا أن نخشى من التغير الذى طرأ على رؤساء شركات الاتصالات الكبرى؟

 

 

 

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات