خمسة تصورات لما بعد هدنة غزة - معتمر أمين - بوابة الشروق
الأربعاء 12 مارس 2025 11:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

خمسة تصورات لما بعد هدنة غزة

نشر فى : الأربعاء 12 مارس 2025 - 6:50 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 مارس 2025 - 6:50 م

انتهت أيام المرحلة الأولى لاتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس يوم 6 مارس الحالى، ولم ينتقل التنفيذ إلى المرحلة الثانية. وذلك لأن إسرائيل لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها بدون المخاطرة بسقوط حكومة اليمين إثر تهديد وزير المالية بالاستقالة. ولذلك افتعلت الأزمات واحدة تلو الأخرى لنسف الاتفاق أو تأجيله لحين استطاعتها العودة للقتال مجددا. وهى تأمل فى البناء على خطة التهجير التى أعلنها الرئيس الأمريكى ترامب كحل نهائى لمعضلة غزة والضفة، وتعمل على جعل هذا الإعلان مطروحا كبديل طيلة الوقت، وحتى لو استعصى تنفيذ إعلان ترامب لفترة لاسيما بغزة، فإنها تعمل على تنفيذه بالضفة بدءا من مخيم جنين، وطولكرم، وغيرهما من المناطق المنكوبة.
يشجعها على المضى قدما فى أوهامها استفادتها من الانهيار الذى حدث فى سوريا، واحتلالها أجزاء منها، بالرغم أن سوريا لم تقاتل ضدها منذ عام 1973.وفى هذا المقال نطرح خمسة تصورات لما يمكن أن تئول إليه الأوضاع مع استمرار نهج حكومة اليمين الإسرائيلية.
• • •
التصور الأول هو نجاح إسرائيل فى إدارة الموقف الاستراتيجى لصالحها، بحيث تُغير فعلا الشرق الأوسط، وترسم خرائط جديدة انطلاقا من مشرق العالم العربى. وتستعمل القوة الجبرية والترغيب لتحقيق ذلك. فتكون القوة الجبرية، من نصيب لبنان وسوريا، بحيث لا تكتفى بالسيطرة على خمس نقاط بجنوب لبنان، ولكن تتوسع إلى نهر الليطانى، بحجة القضاء على حزب الله. كما توسع سيطرتها على جنوب سوريا، وصولا إلى المناطق الكردية التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) برعاية القوات الأمريكية، ويعرف هذا السيناريو بممر ديفيد. لكن تعقد الموقف فى سوريا بصورة مؤقتة بعدما نجحت تركيا فى إصدار إعلان تاريخى من الزعيم الكردى عبدالله أوجلان لإلقاء السلاح، مما يمثل عامل ضغط على قسد.
أما الترغيب، فيستعمل لضم السعودية للاتفاق الإبراهيمى، ومن ثم يتم التمهيد عمليا لمشروع الممر الاقتصادى بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذى يمر بريا عبر الإمارات، فالسعودية، فالأردن، وصولا إلى إسرائيل، ثم يتحول لممر مائى بحرى يصل إلى إيطاليا. ولكن يصطدم هذا الترغيب مع نهج رئيس الوزراء الإسرائيلى، حيث سخر نتنياهو، الشهر الماضى، من السعودية أثناء زيارته لواشنطن ودعاها لإقامة دولة فلسطينية على أراضى المملكة.
• • •
التصور الثانى، هو فشل إسرائيل فى إدارة الموقف الاستراتيجى، ومن ثم انتقالها للمرحلة الثانية من اتفاق الهدنة مع حماس. وسيؤدى هذا لاستقالة وزير المالية من الحكومة الإسرائيلية، وبالتالى سقوطها، والانتقال للمرحلة الثانية يعنى الانسحاب من محور صلاح الدين (من فضلك لا تقول محور فيلادلفيا)، ثم البدء فى إعادة إعمار غزة. الأمر الذى يطيح بكل الأوهام الخاصة بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. وبالرغم من أن هذا التصور قد لا يعنى فشل إسرائيل على جميع الجبهات، بمعنى، الانسحاب من جنوب لبنان، وجبل الشيخ بسوريا.. إلخ. لكن سقوط حكومة اليمين، يغير الأوضاع ويفجر الأزمة داخل إسرائيل بطريقة غير مسبوقة، كما يزيد الضغوط الخارجية عليها. قد يتحول كل ما اعتبرته نصرا ضد محور المقاومة إلى النقيض، لاسيما فى ظل انكشاف الوجه الحقيقى لجيشها غير الأخلاقي، وتلطيخ سمعتها الدولية كسلطة احتلال تمارس جرائم الإبادة الجماعية ضد العزل المدنيين. هذا الفشل لا يعنى أيضا استقرار المشرق العربى، بل يعنى تنافسا تركيا إيرانيا لملء الفراغ وحصد النتائج.
• • •
التصور الثالث، أن تتفاقم رغبة الحسم داخل إسرائيل، فتشعل حربا جديدة تحسم بها الأوضاع بالطريقة التى تراها مناسبة للحظة التاريخية طبقا لرؤية مشروع إسرائيل الكبرى الذى يعشش فى مخيلة حكومة اليمين. وقد نفهم فى هذا السياق تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلى الجديد الجنرال إيال زامير، الذى قال فى خطابه بعد توليه المنصب، يوم 6 مارس، «المهمة الملقاة على عاتقى لم تكتمل بعد»، وهى قيادة جيش الدفاع نحو النصر. ثم استشهد بآية من سفر المزامير «سأطارد أعدائى وأدركهم، ولن أتراجع حتى فنائهم». وتشعر إسرائيل أنها فى موقف أفضل ــ الآن ــ لضرب رأس محور «الشر» كما تسميه وهى إيران، بهدف القضاء على برنامجها النووى. فبعدما استلمت من إدارة ترامب شحنة القنابل الثقيلة من طراز «إم كيه 84» التى أوقفتها من قبل إدارة الرئيس السابق بايدن، أصبح لدى إسرائيل القدرة على تدمير البرنامج النووى الإيرانى. لكن يتوقف الأمر على موافقة إدارة ترامب، والتى يبدو أن لديها تصورا آخر، وهو استخدام الوساطة الروسية للتفاهم والضغط على إيران للوصول إلى اتفاق جديد دون الحاجة إلى المواجهة.
• • •
التصور الرابع، أن تفقد سياسة الحكومة الإسرائيلية فعاليتها نتيجة لممارسات إدارة ترامب. وظهرت الشواهد على ذلك قبل نهاية المرحلة الأولى. فبينما تصعد إسرائيل ضد غزة، ومنعت دخول المساعدات للقطاع منذ أيام شهر رمضان الأولى، ما استدعى تهديد الحوثى لإسرائيل يوم 7 مارس باستئناف الهجمات وأمهلها 4 أيام، كانت واشنطن تعقد مفاوضات مباشرة لأول مرة مع حركة حماس، أجراها المبعوث الأمريكى الخاص بشئون الرهائن، آدم بوهلر، للإفراج عن بعض الأسرى من مزدوجى الجنسية الإسرائيلية ــ الأمريكية. وبالرغم من تأكيد المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن ذلك جرى بالتشاور مع إسرائيل، لكن كشفت تقارير إعلامية عن امتعاض نتنياهو من هذه الاتصالات المباشرة.
تداعيات هذه الاتصالات، تربك حسابات إسرائيل، وتساهم فى تمديد وقف إطلاق النار على الأقل خلال شهر رمضان. ويجرى نفس الارتباك فى سياق الملف الإيراني، فبينما تريد إسرائيل التحرك ضد إيران، أعلن الرئيس ترامب أنه أرسل رسالة مكتوبة إلى المرشد الإيرانى، يوم 5 مارس، أعرب فيها عن رغبته بالتفاوض حول ملفها النووى، وذلك بعد اعتماده سياسة الضغط القصوى بما فيها تفتيش أسطول الظل الإيرانى الذى ينقل صادراتها النفطية إلى الصين.
• • •
التصور الخامس، أن تفشل إسرائيل فى تمديد المرحلة الأولى، وتفشل جهود المبعوث الخاص للرئيس الأمريكى إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، فى تمرير تصور ترامب لتهجير الفلسطينيين، وتستمر إسرائيل فى رفضها للخطة المصرية العربية لإعادة إعمار غزة، ورفضها للانتقال للمرحلة الثانية. وبالتالى يكون البديل المتبقي، هو عودة الحرب إلى غزة، والتركيز مجددا على ملف تهجير الفلسطينيين، مما يهدد اتفاقية كامب ديفيد. ونلاحظ بهذا الصدد، ارتفاع وتيرة التصريحات العدائية ضد مصر من المسئولين الإسرائيليين، مثل سفير إسرائيل فى واشنطن، ووزير دفاعها، والكثير من الساسة، والجنرالات، والإعلاميين، والتى تنقلها القنوات التلفزيونية وحتى القنوات الإسرائيلية الشهيرة على منصات التواصل الاجتماعى، مثل اليوتيوب.
• • •
بين هذه التصورات الخمسة، نستطيع القول بأن احتمالات التصعيد سترجح إذا رجع القرار لحكومة اليمين، بما يشمله ذلك من حسابات خاطئة قد تسقط اتفاقية كامب ديفيد وتعود بالمنطقة للحظة 1973. بينما سيتم فرملة التصعيد إذا رجع القرار لإدارة ترامب، بدون أن يسفر ذلك عن الوصول لحلول توافقية وإنما حلول ترضى إسرائيل إلى حين عودة الحرب فى مرحلة لاحقة.

معتمر أمين باحث في مجال السياسة والعلاقات الدولية
التعليقات