المنصّات الإلكترونية والتغيُّر الاجتماعى - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 12 مارس 2025 11:52 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

المنصّات الإلكترونية والتغيُّر الاجتماعى

نشر فى : الأربعاء 12 مارس 2025 - 6:55 م | آخر تحديث : الأربعاء 12 مارس 2025 - 6:55 م

تتأسّس متطلبات التطوير المخطّط له عالميًا للشبكات الاجتماعية بأنواعها، على تطور مفهوم التغيّر الاجتماعى فى العصر الرقمى، الذى أصبح يرتبط وثيقًا بالمنصّات الاجتماعية الإلكترونية، وهى تحديدًا جميع الوسائط الرّقمية، والتى تشمل: مواقع الويب، والتطبيقات التفاعلية، وتزداد أعداد مستخدِميها عالميًّا يومًا بعد يوم بشكل متواصل.
إنّ التغيّر الاجتماعى يتعلّق فى أساسه بتغيير الوعى والتفكير البشرى استهدافًا لتغيير القيم والمعايير، فتتغيّر بذلك الرّموز والعلاقات الاجتماعية والأنظمة والسلوك. وبالتّالى، فالتغيُّر يقع ضمن دائرة التغيُّر الثقافى، ويختصّ بالجانب اللّامادى للثقافة، وينعكس فى تبدّل الأدوار الاجتماعية للأفراد والجماعات خلال فترة من الزمن، بمعنى تحوّل عناصر نظام الظاهرة الاجتماعية من التجانس إلى اللّاتجانس بفعل التفاعل الطارئ الجديد، مكوّنًا نظامَ علاقات جديدة. ومن ثم بفعل هذا التغيّر اللّامادى أوّلًا يحدث التغيّر المادى تاليّا.
بصفة عامة، فى حركة المجتمعات البشرية، يمكن أن يحدث التغيّر الاجتماعى من التدريجى البسيط إلى الرّاديكالى إلى الثورة إلى حالة الانهيار النهائى، أى «تحطيم الوحدة الاجتماعية أو الثقافية نهائيًّا، واستبدالها بوحدة أخرى من نوعٍ جديد». هذا الأمر، يشير إلى نسبيّة الظاهرة الاجتماعية وتداخلها فى ظواهر أخرى، وسرعة تغيّرها؛ فيصعبُ قياسُها وإجراءُ التجارب عليها، وعند ظهور نتائجها تكون الظاهرة الاجتماعية قد تغيّرت. ولا يسعنا فى واقع الأمر، والحالة هذه، إلّا مقاربة الظاهرة الاجتماعية، بمعنى رصْدها قدر الإمكان، وتحليلها، وتفسيرها، فى ضوء نظرية اجتماعية علمية واحدة، أو أكثر.
غير أنّ الأمر ازداد تسارعًا، وتداخلًا، وتعقيدًا، فى ظلّ التطورات التّكنولوجية الخطيرة الأخيرة، وبخاصةٍ خلال العقد الأخير تحديدًا، فظهر ما يمكن وصفه بمفاهيم جديدة للتغيُّر. مثلًا، أصبح يلاحَظ أنّ التغيُّر الاجتماعى يشير إلى ما قد نسمّيه بالتغيُّر الامتدادى، إن صحّ التعبير! ونعنى به تغيُّر المهارات المكتسبة امتدادًا للقدرات الإنسانية الطبيعية، مثل إمكانات الذّكاء الاصطناعى الْمُؤَنْسَنَة؛ أى أنّ التغيُّر هو تغيُّر أو تبدُّل آلى، إنّه دخول العنصر الآلى فى التغيُّر. لقد أصبح تغيُّرنا يأتى إلينا من خارج طبيعتنا البشرية! وبعبارة أخرى تغيُّر تكنو-اجتماعى يفرض نفسَه.
السؤال هنا: هل تُحسب القيم والمعايير الإنسانية فى التغيّر الجديد؟ هل يُعتبر أنه تغيُّر التفكير البشرى المحض؟ أم أنّ للآلة قيمها ومعاييرها.. ومثلما لها ذكاؤها سيكون لها تفكيرها الخاص؟! حتى الآن، لا يوجد إلّا النقاش والجدل البشرى حول هكذا موضوعات.. قد يتعلّق الموضوع بالطرح الفلسفى، كما يراه الكثيرون.. لكن هناك من العلماء المختصين فى الذّكاء الاصطناعى من يرفض تمامًا التدخل الفلسفى الذّاتى فى الموضوع، باعتباره موضوعًا علميًّا بحتًا.
بالتأكيد نحتاج إلى الأخلاق، لكننا لا نحتاج إلى الفلاسفة الذين يتكلّمون عن الوعى والإحساس والتجربة الذاتيّة، لأنّ فهم هذه الأمور هو مشكلة عِلمية، وسنكون أفضل من دون الفلاسفة.
فى كلّ هذه الأحوال، يعتمد التغيُّر الاجتماعى الحالى والمستقبلى على أبرز عوامل التغيُّر وهو العامل المعلوماتى الذى يجمع بين العامل التّكنولوجى والعامل الاجتماعى. وبفعل انتشار المنصّات الاجتماعية الإلكترونية، تحوّلت الظاهرة الاجتماعية البشرية المعقّدة من كونها طبيعية إلى تكوّنها الاجتماعى الآلى الأكثر تعقيدًا. وانتقلنا من عالم الذرّة الملموس إلى عالم البت غير الملموس، العالم الافتراضى.. وهو عمليًّا عالم التّماس الذهنى المباشر مع عالم الفيزياء (الفولت والبت)؟! وربما إلى عالم آخر فيما بعد، يمكن تسميته بعالم ما بعد البت، ما بعد الافتراضى (أو عالم افتراض الافتراضى). العالم الذى تصنعه خوارزميات المعرفة المُحَوْسبة، الآلات الذكية والروبوتات فائقة التطور؟!
علينا إذن، البحث فى تحوّلاتنا البشرية الآلية، ونحن نتجانس مع البتّ الرّقمى، الذى بدوره يُشكّل عالم رمزنا اللغوى - الآلى. علينا استكشاف هذا التغيُّر الغامض، وحماية العنصر الإنسانى فى ذاتِنا المتحوّلة، وجعلها هى الأرقى، والأبقى، والأحرى بأن تقود مراحل التطور التّكنو-اجتماعى المستقبلية.

على محمد رحومة
موقع عروبة 22
النص الأصلى

التعليقات