أم كلثوم.. صانعة الوحدة العربية - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأحد 9 فبراير 2025 12:06 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أم كلثوم.. صانعة الوحدة العربية

نشر فى : السبت 8 فبراير 2025 - 7:50 م | آخر تحديث : السبت 8 فبراير 2025 - 7:50 م

نشر موقع عروبة 22 مقالا للكاتب حسن حافظ بمناسبة مرور خمسين عاما على وفاة أم كلثوم، تناول فيه الشعبية الطاغية التى حظيت بها أم كلثوم فى جميع أنحاء الوطن العربى، وكيف بصوتها أشعرت شعوب المنطقة العربية بأن لديهم مشتركا، ونجحت بسببه فيما فشل فيه الساسة.. نعرض من المقال ما يلى:
تمر هذه الأيام الذكرى الخمسون على رحيل أم كلثوم (توفيت فى 3 فبراير 1975)، التى استحقت عن جدارة لقب سيدة الغناء العربى. الظاهرة الغنائية المصرية التى تمددت فشغلت الفضاء العربى كله. تحولت إلى الرمز الذى تجمع حوله العرب، ولا تزال هى المشروع العربى الأكثر نجاحا واستمرارية، فلا يحد من شعبيتها حدود دول أو انتكاسات سياسية أو تغيرات ذائقة جيلية.
نغم يسرى فى أوصال العالم العربى فشكل لُحمة لا انفصام لها، صوت تسمعه فى القاهرة وبغداد ودمشق وتونس والرباط وما بينها من عواصم ومُدن، فتشعر بالأُنس حتى ولو اختلفت المدينة. تجسدت فى محبتها وعشقها معنى الوحدة العربية بشكل عفوى وصحى، والأهم أكثر صدقا من أى شعارات.
مكانة أم كلثوم العربية تحققت قبل المشروع الناصرى (1954- 1970)، الذى يُنْظر له باعتباره قمة التيار العروبى فى تاريخ العرب الحديث، فعندما جاء نظام يوليو 1952، لم تكن أم كلثوم أقل من ملكة متوجة على عرش الغناء العربى منذ أكثر من عقدين من الزمان.
حققت شعبية طاغية ليس فى مصر فقط، بل فى أرجاء العالم العربى شرقا وغربا. جلجل صوتها المُعجِز فى دنيا العرب، فسمعت الآهات تتردد بين شوارع مُدنهم كرجْع صدى ممزوج بالوله بهذا الصوت الجامع لمحاسن الطّرب. أصبحت منذ بداية الثلاثينيات الشمس التى تحجب نجوم دولة الغناء فى المحيط العربى، لا أحد يستطيع أن يهزّ عرشها ثابت الأركان.
البعضُ يظن أن الزعيم جمال عبد الناصر حمل أم كلثوم إلى آفاق العروبة الواسعة، لكن الحقيقة أنها بدأت مشروعها العربى قبل أن يظهر نجم ناصر فى الأفق، لم تكن أبدا ظاهرة مصرية محلية، موهبة جبارة أجبرت العرب على فنّ الإنصات لموهبة كسَيْل منهمر يكتسح كل ما أمامه، وقع الجميع فى مصيدة فتنة صوتها، سريعا أصبحت بعد ميلادها الفنى فى عشرينيات القرن العشرين. ظاهرة خارقة فى زمن بحث العرب فيه عن ذواتهم وأنفسهم تحت وطأة الاستعمار الغربى. شعروا جميعا بأن فى صوت أم كلثوم ما يشعرهم بالألفة وأن الأقطار العربية بينها مشترك أصيل، وهل هناك أكثر أصالة من صوت الست؟
أم كلثوم فى فنون الأغانى / أمة وحدها بهذا الزمان
هى فى الشرق وحدها ربة الفن/ فيما أن للفن رب ثان
ذاع من صوتها لها اليوم صيت/عم ّكل الأمصار والبلدان
هكذا انفعل الشاعر العراقى معروف الرصافى (توفى 1945)، عندما رأى شدو أم كلثوم الملائكى على مسرح الهلال فى بغداد عام 1932، وهو أحد شعراء العراق الكثيرين الذين دبجوا القصائد فى مدحها، فالبعض لا يعرف أن سيدة الغناء بدأت جولاتها العربية قبل سلسلة حفلاتها الأكثر شهرة والأبقى أثرا والتى نظّمتها بعد هزيمة 1967، والتى خصّصت دخلها لدعم المجهود الحربى. فالاحتفاءُ بها بدأ فى مختلف البلدان العربية فى سنوات مُبكرة، إذ حرصت الكثير من العواصِم على استضافتها بعد عشر سنوات تقريبا من احترافها الغناء، ربما لم تذهب وقتذاك إلى مدن المغارب لأن الاحتلال الفرنسى لم يكن يرغب فى ثِقْل موهبة عربية تُذكّر بالأصول التى يسعى المستعمر إلى طمْسها.
سبَقَت زيارة أم كلثوم للعراقِ زيارتها لسوريا ولبنان وفلسطين عام 1931. فى هذه الجولة كانت الاستقبالات أسطوريّة. أفاضَت صحفُ ذلك الزّمان فى بلاد الشام فى وصف النجاح العريض لحفلات النغم الذى أَسر العرب. وتدفَّقت كلماتُ الشّعراء. الشاعرُ اللّبنانى الكبير جبران خليل جبران (توفى 1931)، يمدحها بقوله:
يا أم كلثوم بفنك أنت نابغة الزمان/بلغت من عليائه ما ليس يُبلغ بالأمانى
وقد انفردت فلا مسا بق فى المقام ولا مُدان
المُدْهْشُ أن كلمات جبران فى حق أم كلثوم يقولها وهى بعد فى العشرية الأولى من مشوارها الفنى المديد الحافل فى مستقبل الأيام بأعمال خالدة. هذا بيانٌ شديد الوضوح عن مدى رُسوخ الظاهرة الكلثومية فى سماء العرب منذ سنواتها الفنية المبكّرة، ومع الزمن تراكَمت قصائد شعراء العرب فى مديح الست، التى يمكن القول بلا أى مبالغة إنها المرأة التى حصدت النصيب الأوفر من قصائد المدح فى تاريخ العرب الحديث، تكريسا لتحوّلها إلى ظاهرة وموهبة خارقة للحدود وموحّدة للشعوب العربية بصورة غير مسبوقة. صوتُها فى الحقيقة نجح فى تحقيق ما عَجز عنه الساسة.
فى كلّ مدينة عربيّة وبعد خمسين سنة من الرّحيل ستجد مقهًى باسمها، ستسمع صوتها يأتى من اللّامكان يجلجل فى شوارعها.
النص الأصلى:
https://rb.gy/8z8j1t

التعليقات