نشر موقع Eurasia Review مقالا للكاتب المتخصص فى الشئون السياسية والاقتصادية لدول القرن الإفريقى سليمان والحد، تناول فيه الأسباب التى قادت إلى المشاكل والمعاناة التى تعيشها دول القرن الإفريقى اليوم. واقترح بعض الحلول للنجاة وإلا لن تنعم هذه المنطقة بالسلام والأمان أبدا.. نعرض من المقال ما يلى:
ذكر الكاتب مباشرة فى بداية مقاله من هو المسئول عن المشاكل والمحن التى تعانى منها منطقة القرن الإفريقى. يأتى فى المقدمة التدخل الاستعمارى الأوروبى فى القرن التاسع عشر/العشرين والذى شمل إنشاء الحدود الحالية لدول المنطقة. ثانيا: الرواية التاريخية التى لا أساس لها من الصحة والتى تبنتها إثيوبيا الحبشة. ثالثا: الأنظمة الديكتاتورية والفاسدة التى أنكرت على شعوب المنطقة حرية اختيار زعمائهم. وفصّل هذه الأسباب على النحو التالى:
أولا- الحدود التى فرضتها أوروبا على المنطقة، فلقد وجد الأوروبيون الذين وصلوا إلى آسيا أن الطريق إلى الأخيرة عبر المحيط الأطلسى، وحول رأس الرجاء الصالح، ومن ثم عبر المحيط الهندى، طويل وشاق، مما دفعهم إلى البحث عن طريق أقصر من وإلى آسيا، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى بناء قناة السويس فى مصر. وهذا هو السبب والكيفية التى وصلت بها الدول الاستعمارية الأوروبية إلى منطقة دول القرن الإفريقى، وحولتها فى النهاية إلى الدول الموجودة اليوم؛ الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتى.
• • •
ثانيا- الرواية الإثيوبية المزيفة، يقول كاتب المقال إن دولة إثيوبيا لم تكن أبدا كما تدعى، بمعنى أنها لم تكن موجودة قبل ثلاثة آلاف عام، ولم تكن موجودة قبل عام 1932 عندما تبنت اسم «إثيوبيا»، وهى كلمة يونانية تعنى السود. تماما كما تعنى كلمة «السودان» فى اللغة العربية.
يضيف الكاتب: كان يجب أن تكون السودان وإثيوبيا دولة واحدة إذا كان اللون هو العامل الحاسم فى تكوين الدول، وكان من الواجب أن تنضم إليهما كل الدول الإفريقية الأخرى.
تأسست دولة إثيوبيا الحالية على يد منليك الثانى خلال السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، ثم على يد الإمبراطور هيلا سيلاسى الذى تبنى فى النهاية اسم إثيوبيا فى عام 1932 عندما اعتلى العرش رسميا. وقد سلح الأوروبيون منليك الثانى وغزا العديد من الدول (أكثر من ثمانين دولة) بلغات وثقافات وتاريخ مختلف. غزاها بالقوة ولكنها ظلت حتى اليوم شعوبا مختلفة. وبعد قرن من الزمان، فشلت هذه الدول فى إنشاء أمة واحدة بسبب افتقارها إلى الأنظمة العدالة، فقد حكم البلاد طوال تاريخها القصير طغاة (أباطرة وديكتاتوريون عسكريون وديكتاتوريون عرقيون) وما زالت تحكمها طغاة لم يكتشفوا أو يتعلموا بعد أن الناس لا يمكنهم العيش معًا إلا من خلال اختيارهم الحر.
كما كانت دولة الصومال شاسعة حتى تم تقسيمها بسبب الضرورات الاستعمارية، كانت ممتدة من جيبوتى إلى مصب نهر تانا فى كينيا ومويالى فى وسط الحدود الإثيوبية الكينية وحتى رأس جاردافوى فى منطقة القرن الإفريقى. والآن، لم يبق سوى الصومال الحالية بينما ظلت المناطق الأخرى من الأراضى الصومالية فى دول جيبوتى وإثيوبيا وكينيا.
• • •
بناء على ما سبق، فإن فرض الحدود الحالية يظل أحد العوائق الرئيسية أمام السلام فى المنطقة. إذ إن إثيوبيا دولة تجمع بين العديد من الدول بالقوة؛ وما دام هذا النوع من الفرض قائما، فمن غير المرجح أن ترى المنطقة السلام. كما أن القوى التى لا تريد الخير للمنطقة تضمن بقاء الفوضى والصراعات كجزء من أنظمة الحياة فى المنطقة ومن ثم لا تستطيع أن تسمح لشعوبها باتخاذ خياراتها.
• • •
طرح كاتب المقال حلين لعلاج هذه الأزمات: أولا- إنشاء كتلة اقتصادية متكاملة، حيث يمكن للدول الحالية بالقرن الإفريقى؛ الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتى أن تشكل، مثل الاتحاد الأوروبى، كتلة اقتصادية جديدة تسمح بحرية حركة العمالة ورأس المال والسلع والخدمات بين دول المنطقة، مع الحفاظ على الحدود الحالية للبلاد، ولكن مع السماح لكل دولة بالالتزام ببنية تحتية دستورية جديدة بحيث تمنح جميع المواطنين والمواطنات فى كل دولة حريات النشاط الاقتصادى والاختيار والتعبير وتكوين التكتلات.
يؤكد الكاتب أن هذا من شأنه أن يوفر وضعا مثاليا حيث يمكن للناس اختيار حكوماتهم وزعمائهم من وقت لآخر على أساس منتظم. كما سيسمح ذلك للدول بالتجارة مع بعضها البعض، والاستثمار فى بعضها البعض، والسفر إلى بعضها البعض بسهولة. وهذا سيخلق كتلة إقليمية قابلة للاستمرار، وقادرة على التفاوض مع الكتل والبلدان الأخرى فى العالم لتحقيق أفضل النتائج سواء فى التجارة أو غير ذلك.
الحل الثانى يتمثل فى إعادة تشكيل المنطقة، وذلك من خلال حدود جديدة لدولها يتم قياسها بعناية على النحو التالى:
أ) يمكن أن تتحد كل الأراضى الصومالية فى دولة واحدة وتشمل (الصومال الحالية، المقاطعة الشمالية الشرقية فى كينيا والتى تضم أناس من أصل قومى صومالى، والأراضى الصومالية فى إثيوبيا وجيبوتى).
ب) إقليم عفر فى شمال شرق إثيوبيا يصبح دولة مستقلة.
جـ) يمكن لإريتريا وإقليم تيجراى أن يشكلا دولة واحدة.
د) يمكن للأمهرا أن يشكلوا دولة خاصة بهم.
هـ) يمكن لبنى شنقول أن يشكلوا دولتهم الخاصة، وتاريخيًا كانت تلك المنطقة جزءًا من السودان قبل أن تحتلها إثيوبيا، ويقام على هذا الإقليم حاليا سد النهضة.
و) بإمكان كل من شعب الأورومو، شعب سيداما، شعوب جنوب إثيوبيا، أن يشكلوا دولا خاصة بهم.
يمكن لكل هذه الدول الجديدة أن تشكل بعد ذلك منطقة واحدة متكاملة اقتصاديا. وفى كل الأحوال، ينبغى أن تكون هناك معاهدة رئيسية يتم على أساسها استخلاص دساتير الدول، بشرط احترام خصوصياتها ومحدداتها، وينبغى أن تسمح بحرية الاختيار والتعبير.
• • •
اختتم كاتب المقال حديثه بالقول إن المنطقة تعانى من الاختناق ليس فقط بسبب خصوصياتها، بل أيضا بسبب رغبات الآخرين، سواء كانت قوى كبرى أو قوى متوسطة أو دولا إقليمية، والتى تحتاج إلى استغلال والاستفادة من موارد القرن الإفريقى. وتشمل هذه الرغبات، من بين أمور أخرى، الموقع الجغرافى الاستراتيجى للمنطقة الذى يضعها فى طليعة الاهتمام العالمى.
ويضيف: المنطقة قادرة على تحرير نفسها من القيود الحالية، تماما كما فعل الاتحاد الأوروبى، من خلال تعزيز تكاملها الاقتصادى، وفى النهاية من خلال تبنى سياسة خارجية موحدة والتعاون فيما بينها. فالأنظمة الفاسدة والميول الديكتاتورية الحالية فى كل بلدان المنطقة لا تعامل دولها بشكل جيد ولائق، ولابد من إصلاحها إذا كان للمنطقة أن تلعب دورها الصحيح فى الشئون العالمية، بحيث لا تظل الجانب المتلقى للصدقات والهبات دائما فى حين أنها غنية بالموارد وقوة عاملة شابة ضخمة.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف
النص الأصلى:
https://rb.gy/tnb0nq