هل تحقيق السلام ممكن اليوم؟ - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الجمعة 3 يناير 2025 8:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تحقيق السلام ممكن اليوم؟

نشر فى : الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 6:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 31 ديسمبر 2024 - 6:55 م

نشر موقع Eurasia Review مقالاً لأستاذ الفلسفة بجامعة "الولاية الحرة" في جنوب أفريقيا، بيرت أوليفير، تناول فيه مجموعة من العوامل التى تجعل تحقيق السلام فى عالم اليوم مجرد خيال.. نعرض من المقال ما يلى:

ونحن فى أول أيام 2025، عادة ما يتخذ المرء قرارات للعام الجديد، بقصد التعويض عن الأخطاء التى ارتكبت خلال العام الماضى، والبدء فى مشاريع لتحسين أوضاعه فى المستقبل. فى نفس النطاق، يمكننا أن نسأل أنفسنا: هل كل الحديث عن تحقيق «سلام» فى عالمنا مجرد «حديث فارغ»، أم أنه مسألة يمكن النجاح فى بلوغها؟ يرى بيرت أوليفير، كاتب المقال، أن الإجابة على هذا السؤال سهلة، إذ تحقيق سلام دائم هو عملية مستحيلة، وفنّد إجابته فى ألف وباء.

ألف متعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية، فعلى الرغم من تأكيدات الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، بأنه سيعمل على إنهاء الحرب فى أوكرانيا، فليس من المؤكد أنه سيكون قادرا على ذلك، ليس فقط لأن أعداءه، سواء فى الولايات المتحدة أو فى الخارج، يستثمرون فى إبقاء الحرب مستمرة بأى ثمن، ولكن أيضا فى ضوء عدم احتمالية أن يكون الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، ضعيفا بشأن شروط اتفاق السلام.

بعبارة أوضح، بعد اتفاقيات مينسك الأولى والثانية عامى 2014 و2015 على التوالي، والتى سعت إلى إنهاء الحرب فى منطقة دونباس فى أوكرانيا بين المجموعات الانفصالية الروسية وبين القوات المسلحة الأوكرانية، اعترف الرئيس الفرنسى السابق ــ فرانسوا هولاند ــ بأن اتفاقيات مينسك كانت فى الواقع خدعة لكسب الوقت لحكومة كييف لتعزيز جيشها. وكان هولاند يردد تصريحًا للمستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، التى وصفت اتفاقيات مينسك بأنها «محاولة لإعطاء أوكرانيا الوقت» لبناء قواتها المسلحة.

يضيف الكاتب: أورد الفيلسوف الألمانى ــ إيمانويل كانط ــ فى القرن الثامن عشر، عندما كتب مقاله الشهير عن شروط «السلام الدائم»، شرطا محددا ــ إذا توفر نضمن استدامة السلام فى المقابل ــ هذا الشرط ينص على إنه لا يجوز اعتبار أى معاهدة سلام صالحة، طالما تم الاحتفاظ سرا بنوايا لشن حرب مستقبلية.

إذن، وبالنظر إلى تجربة اتفاقيات مينسك، فإن بوتين ليس ساذجا إلى الحد الذى يجعله يقع فى فخ هذه الخدعة مرة أخرى، ويوافق على اتفاقية لوقف إطلاق النار مع كييف، تحت ستار «تجميد» مؤقت على الأنشطة العسكرية فى أوكرانيا، وبالفعل كانت قناة روسيا اليوم قد ذكرت أن:

أولاً: تستبعد موسكو مرارا وتكرارا تجميد الصراع، مؤكدة على ضرورة تحقيق جميع أهداف عمليتها العسكرية، بما فى ذلك حياد أوكرانيا ونزع السلاح والقضاء على النازية.

ثانيًا: قال بوتين إن موسكو ستعلن على الفور وقف إطلاق النار وتبدأ محادثات السلام بمجرد سحب كييف لقواتها من جميع الأراضى الروسية، بما فى ذلك جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك، ومنطقتى خيرسون وزابوروجى.

علاوة على ذلك، احتمالات السلام مهددة بسبب الإجراءات غير العسكرية التى يتخذها حلف شمال الأطلسى ضد روسيا. تجلى هذا بوضوح فى مقتل الجنرال الروسى إيجور كيريلوف ومساعده الرائد إيليا بوليكاربوف مؤخرا بواسطة جهاز متفجر يتم التحكم فيه عن بعد خارج شقة كيريلوف فى موسكو. ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يؤدى إلى تفاقم الصراع بدلا من تخفيفه، نظرًا لأنه ليس جزءًا من العمليات العسكرية التقليدية.

الأسباب التى دفعت حلف شمال الأطلسى إلى اللجوء إلى مثل هذه الأعمال «الإرهابية» ذكرها تقرير مؤسسة الثقافة الاستراتيجية فى وقت سابق، كما يلى: فى عام 2017، شغل كيريلوف منصب رئيس قوات الدفاع الإشعاعى والكيميائى والبيولوجى فى روسيا. ومنذ أطلقت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة فى أوكرانيا، كشف فريق المحققين التابع لكيريلوف عن شبكة مزعومة من مختبرات الأسلحة البيولوجية فى أوكرانيا يديرها البنتاجون. أدى ذلك إلى جعل كيريلوف هدفا أولويا. ويرى المحلل السابق فى وكالة المخابرات المركزية، لارى جونسون، أن هذه الخلفية هى التى أدت إلى اغتياله.

•  •  •

بالنسبة لباء، فإذا نظرنا للوضع فى سوريا وما حولها، والذى تغير جذريا فى وقت قصير جدًا، عندما أطاحت مجموعات إرهابية بنظام بشار الأسد وفرضت الحكم الإسلامى. فيبدو لنا أن سوريا العلمانية قد ولت إلى الأبد حيث كان كل الطوائف السنية والعلوية والمسيحية بالإضافة لليهود يتعايشون فى سلام نسبى.

إسرائيل وتركيا كانتا من أكبر الداعمين لاستيلاء الجماعات المتطرفة على سوريا، بهدف محتمل يتمثل فى احتلال أجزاء من سوريا، وربما دمجها، فى أراضيهما. والنتيجة المترتبة على كل هذا فيما يتصل بآفاق السلام فى المنطقة ليست مطمئنة على الإطلاق حتى ولو تجاهلنا الصراع الدائر فى غزة. ناهينا عن إيران، التى تتمتع بتسليح أفضل كثيرًا مما يتصور أغلب الناس، والتى تقترب من القدرة على إنتاج الأسلحة النووية.

•  •  •

فى ضوء ما ذُكر أعلاه، يؤكد الكاتب أنه من المنطقى أن نشعر بالتشاؤم حيال «أمل كانط»، قبل أكثر من قرنين، بشأن إقامة «سلام دائم» بين الأمم.

كان كانط قد حدد فى مقاله عن السلام ثلاثة بنود من شأنها أن توفر الأساس الذى يمكن بناء «سلام دائم» عليه، وليس فقط «إنهاء الأعمال العدائية». هذه البنود هى أولاً، أن يكون الدستور المدنى لجميع الدول «جمهوريا». بمعنى أن يكون تمثيليًا لكل أفراد المجتمع. ففى نظر كانط، الدستور الوحيد الذى يمكن أن يمهد الطريق إلى «السلام الدائم»، هو الذى يتطلب موافقة المواطنين قبل أن يمكن البدء فى أعمال الحرب.

يعلّق كاتب المقال على هذا البند أنه رغم أن أغلب دول العالم اليوم «جمهورية» بمعنى أنها تمثل شعوبها، وليس ديمقراطيات «مباشرة»، فإن الأدلة تشير إلى أن الولايات المتحدة، من خلال السماح بتقديم المساعدة المالية والمادية والاستشارية لأوكرانيا فى الصراع الحالى، تحايلت على المبدأ القائل بأن الكونجرس، بصفته ممثلا للشعب الأمريكى، له الحق الوحيد فى إعلان الحرب ضد عدو متصور، وهذا ما لم يحدث.

أما البند الثانى لسلام كانط هو «يجب أن يقوم قانون الأمم على اتحاد من الدول الحرة». ومع ذلك، يجادل كاتب المقال بأنه عند مقارنة الأحداث الحالية فى أوكرانيا وسوريا بتوقعات كانط عن دور «اتحاد الدول الحرة» فى تعزيز السلام، فنرى أن ديباجة الأمم المتحدة أثبتت أنها جوفاء إلى حد كبير.

البند الثالث والأخير الذى ذكره كانط، ينص على أن «حقوق البشر، كمواطنين فى العالم، يجب تستند إلى شروط الضيافة العالمية».

تُعرّف، فى البداية، الضيافة العالمية على أنها حق كونى للغريب فى عدم التعامل معه بعداء عندما يصل إلى بلد أجنبى. لكن يصعب تصور وجود هذا النهج فى عالم اليوم. بكلمات أخرى، «الضيافة العالمية» لا تتحقق فى عالم القرن الحادى والعشرين؛ بل على العكس من ذلك، ففى كل مكان يسافر إليه المرء تقريبا، يخضع لمتطلبات صارمة قبل السماح له بالدخول إلى بلد أجنبى.

•  •  •

لذلك، إذا حكمنا على الأحداث المعاصرة المتعلقة بالصراع العسكرى المستمر فى أوكرانيا وسوريا فى مقابل متطلبات كانط للسلام الدائم، فمن الواضح أن الحاضر يبدو أبعد من أى وقت مضى عن مثل هذا السلام «الدائم».

ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف

النص الأصلي 

التعليقات