مصير الكولونيالية الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا - مواقع عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 10:46 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

مصير الكولونيالية الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا

نشر فى : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 8:40 م

نشرت صحيفة الاتحاد الفلسطينية مقالًا مترجمًا عن موقع BRAVE NEW EUROPE للاقتصادى الأمريكى، ريتشارد ديفيد وولف، قارن فيه بين الاستعمار الاستيطانى البريطانى فى كينيا وبين الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى الفلسطينية. الاستعمار الأول لم يصمد كثيرا نتيجة المقاومة الشرسة من الشعب الكينى وإدراك الساسة البريطانيين أن تكاليف استمرار الاستعمار باهظة لا يمكن تحملها. فى المقابل، تحالف القادة الإسرائيليون مع قوة عالمية (الولايات المتحدة) تدافع عن استعمارهم حتى يستمر. ومع ذلك، أكد الكاتب أن ما حدث فى كينيا مع الاستعمار البريطانى يحدث مع إسرائيل الآن، فرغم حرب غزة الوحشية إلا أن الضحايا الناجية من العنف الإسرائيلى أكثر حماسة وتدريبا وعتادا لخوض معركتهم... نعرض من المقال ما يلي:

 


تختلف ردود أفعال أحفاد ضحايا الهولوكوست تجاه ما حدث. يتجه بعض الناس إلى الانطواء على أنفسهم بحثا عن الأمان فى ظل الانفصال عن العالم الأكبر وتاريخه، والتركيز على البقاء على قيد الحياة. ويحاول البعض إيجاد العزاء بالاعتقاد بأن جزءا من العالم أو العالم كله قد تجاوز الظروف التى أنتجت ضحايا الفاشية. يعانى البعض من مزيج طويل الأمد من العجز والغضب والخوف من حدوث ذلك مرة أخرى. ومن بينهم أولئك الذين يحاربون الفاشية أينما يرونها تعاود الظهور، وكذلك هناك أولئك الذين يصنعون محاولات أخرى من تحويل الآخرين لضحايا. ويحاول آخرون التوصل إلى الفهم من خلال كتابة المقالات والكتب.
• • •
يقول كاتب المقال: حاولت إسرائيل ممارسة الاستعمار الاستيطانى على غرار الاستعمار الاستيطانى الأوروبى السابق الذى أُنشئ فى مختلف أنحاء العالم. ولقد ارتبط هذا الأمر بى بطريقة غير مباشرة وشخصية للغاية. ففى أوائل الستينيات، اخترت المشاركة فى برنامج لطلاب جامعتى هارفارد ورادكليف، والذى أخذ عشرين منا إلى شرق أفريقيا كمتطوعين لقضاء صيف فى التدريس. بدأت أتعلم هناك ما يعنيه الاستعمار الاستيطانى. وتطورت دراستى إلى أطروحة الدكتوراه فى جامعة ييل فى وقت لاحق، استنادًا إلى البحث فى سجلات مكتب المستعمرات فى لندن والمتحف البريطانى. وقد حاولت فى كتابى الصادر تحت عنوان «اقتصاد الاستعمار: بريطانيا وكينيا، 1870-1930»، تحليل اقتصاد كينيا الاستعمارى الاستيطانى.
طردت بريطانيا السكان الأصليين فى كينيا واستولت على مرتفعات البلاد الخصبة لصالح بضعة آلاف من البيض المهاجرين. وبالإضافة إلى الأرض وحماية الشرطة، زودت بريطانيا مهاجريها ببذور البن والنقل والسوق لتشغيل اقتصاد تصدير البن الكينى المزروع فى كينيا. وجد الملايين من السود الكينيين الذين أُجبروا على الانتقال قسرًا إلى محميات ضيقة أن هذه المحميات غير كافية لاستمرار حياتهم. وبالتالى، تطلب منهم البقاء على قيد الحياة العمل بأجور منخفضة فى مزارع البن الخاصة بالمستوطنين البيض. وقد ساعدت الضرائب على تلك الأجور المنخفضة فى تمويل الحكومة الاستعمارية البريطانية التى فرضت نظامًا استعماريًا استيطانيًا استغلاليًا لا يرحم. كان هذا التمييز الاقتصادى والعرقى فى كينيا موازيًا للفصل العنصرى المعروف فى جنوب إفريقيا.
يضيف الكاتب: تثير مثل هذه النظم الاقتصادية مقاومة مستمرة تتراوح بين الأعمال الفردية اليائسة والمجموعات الصغيرة والحركات الجماهيرية والتمردات المنظمة. حدثت أعمال المقاومة هذه فى كينيا وجنوب أفريقيا وأماكن أخرى أيضًا. وقد قمعتها بريطانيا بشكل روتينى. فى كينيا، فى نهاية المطاف، اصطف المنظمون خلف القائد المتمرد جومو كينياتا، وحشدوا ما سمى بجيش الأرض والحرية الكينى للتمرد. عُرفت معركتهم على نطاق واسع باسم انتفاضة "ماو ماو" فى الخمسينيات ضد الحكومة البريطانية. وقد شملت أعداد القتلى فى تلك الانتفاضة 63 ضابطًا عسكريًا بريطانيًا و33 مستوطنًا وأكثر من 1800 من رجال الشرطة والجنود المساعدين من السكان الأصليين، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف متمرد كينى حسب التقديرات الشائعة. قام البريطانيون بقمع التمرد وسجنوا كينياتا وأعلنوا النصر بصوت عالٍ.
انتصار بريطانيا هذا كان بمثابة ناقوس الموت لمستعمرتها فى كينيا. أظهرت حركة الماو ماو للبريطانيين مستويات المقاومة والتمرد المتزايدة التى سيواجهونها إلى أجل غير مسمى من المستعمرات الاستيطانية التى أنشأوها. اعتبر السياسيون البريطانيون أن هذه التكاليف الباهظة التى تتحملها المستعمرات لا يمكنهم تحملها. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت الاستعمارات الأوروبية فى التلاشى فى كل مكان تقريبًا. ولم يكن بوسع القادة البريطانيين أن يتهربوا من استيعاب الواقع التاريخى. وبعد فترة وجيزة من ثورة الماو ماو، اعترفت بريطانيا باستقلال كينيا الوطنى، وأطلقت سراح كينياتا، وقبلته زعيمًا جديدًا لكينيا. أنهى الاستقلال الاستعمار الاستيطانى فى كينيا.
• • •
كان درس كينيا فى الاستعمار الاستيطانى مؤثرًا بشكل عميق على القادة البريطانيين، لكنه أثبت أنه درس رفض القادة الإسرائيليون التعلم منه. ونظرا للتاريخ الخاص للصهيونية واليهود الأوروبيين، فقد كان معظم القادة الإسرائيليين عازمين على فرض الاستعمار الاستيطانى على الشعب الفلسطينى والحفاظ عليه بالقوة.
وقد أثار إعلان قادة إسرائيل الاستقلال فى مايو 1948 مقاومة فلسطينية وعربية فورية لا تزال مستمرة حتى هذه اللحظة. وقد تميزت هذه المقاومة بحركات جماهيرية وثورات واسعة النطاق، وحظيت بدعم خارجى متزايد (من مصادر عربية وإسلامية وغيرها). لقد ترك زوال الاستعمار الاستيطانى الأوروبى السابق إرثا من الصعوبات الهائلة التى واجهتها الجهود الإسرائيلية لإقامة استعمار استيطانى آخر واستدامته.
تمثل أحد الجوانب الحاسمة فى استجابتهم لتلك الصعوبات فى تشكيل تحالف مع قوة عالمية يمكنها أن تساعد فى الدفاع عن استعمارها الاستيطانى. وقد أدى التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة إلى وضع إسرائيل فى موقع الوكيل المتصدر لمصالحها فى الشرق الأوسط، حيث تحولت إسرائيل إلى الامتداد العسكرى المهيمن للولايات المتحدة فى أماكن تواجد موارد الطاقة العالمية الرئيسية. وقد سهّل التحالف مع الولايات المتحدة تقويض مكونات إسرائيل الاشتراكية والجماعية والكيبوتسات فى وقت مبكر. وقد دفع معظم القادة الصهاينة ثمن هذا التحالف عن طيب خاطر. وكان الثمن الآخر هو اعتماد إسرائيل العسكرى والاقتصادى والسياسى على الولايات المتحدة. وأخيرًا، أقام القادة الإسرائيليون علاقات ثقافية وعائلية قوية مع المجتمعات الشريكة المؤثرة ماليًا وسياسيًا داخل الولايات المتحدة وأوروبا. وبهذه الطرق، كان القادة الإسرائيليون يأملون فى بقاء الاستعمار الاستيطانى ونموه على الرغم من الأمثلة العديدة فى التاريخ التى أثبتت عكس ذلك.
• • •
لعدة عقود بدا للكثيرين داخل إسرائيل وخارجها أن استراتيجية قادتها وعلاقاتهم قد تؤمن استعمارها الاستيطانى. ولكن بعد ذلك بدأ ما حدث فى كينيا يتكرر مع إسرائيل. قاوم الشعب الفلسطينى، وتوالت الحركات الجماهيرية، وأخيرا نشأت حركات تمرد قوية ومنظمة. وثبت أن الانتصارات الإسرائيلية على كل منها كانت مجرد مقدمات لأشكال لاحقة أعلى من المعارضة بدعم عالمى أكبر من أى وقت مضى. تشبه الانتصارات الإسرائيلية تلك التى حققها نظراؤهم البريطانيون فى كينيا.
من الواضح بنفس القدر الآن فى إسرائيل وفلسطين أن احتمالات الحرب التى لا نهاية لها فى المستقبل ستكلف على الأرجح المزيد من الأرواح والإصابات والأضرار الجسدية والنفسية والخسائر الاقتصادية والسياسية. فالضحايا الذين نجوا من العنف الإسرائيلى المفرط فى غزة بدأوا يظهرون بالفعل أكثر حماسًا وأفضل تدريبًا وعتادًا لخوض معركتهم. وبالمثل، سيكون من بين أبناء هؤلاء الضحايا العديد من المصممين على إنهاء الاستعمار الاستيطانى الإسرائيلى.
إن التاريخ، والآن الزمن نفسه، فى صف الشعب الفلسطينى. فحتى مؤيد قوى لإسرائيل مثل وزير الخارجية السابق أنتونى بلينكن اضطر إلى الاعتراف بحقيقة صارخة، فقد قال: «فى الواقع، نحن نقدر أن حماس جندت من المقاتلين الجدد بقدر ما خسرت من مقاتلين. وهذه وصفة للتمرد الدائم والحرب الدائمة».
أُجبرت إمبراطورية بريطانيا المحتضرة على قبول استقلال كينيا فى عام 1963 وإنهاء استعمارها الاستيطانى. ويفرض الانحطاط الحالى لإمبراطورية الولايات المتحدة شيئًا مماثلًا فى إسرائيل. فبعد حرب غزة الأخيرة، تقترب حليفة إسرائيل المهمة من التوصل إلى النتيجة التى توصلت إليها بريطانيا فى كينيا بعد انتفاضة ماو ماو.
بالنسبة لأعداد متزايدة من قادة الولايات المتحدة، فإن مخاطر وتكاليف تحالفها مع إسرائيل تتزايد بوتيرة أسرع من الفوائد. وقد اقتنع كثر، بمن فيهم شعب الولايات المتحدة، بأن تزويد إسرائيل بالأموال والأسلحة يجعل الولايات المتحدة «متواطئة فى إبادة جماعية»، وبالتالى معزولة عالميًا. وقد تبع ذلك وقف إطلاق النار الذى فرضه دونالد ترامب. ولن يكون مهما وقف إطلاق النار هذا وكيفية تطبيقه وكيفية مقاومة إسرائيل للانتقادات المستمرة وتهربها من الانتقادات الجارية بقدر أهمية المسار الأساسى الجارى الآن. فالتاريخ يشير إلى أن بنيامين نتنياهو أو خلفاءه سينفصلون فى نهاية المطاف عن الولايات المتحدة. وسيعجّل فقد هذا التحالف بنهاية الاستعمار الاستيطانى الإسرائيلى.

 

النص الأصلي:
https://bitly.cx/dqDnZ

التعليقات