أمريكا فى مواجهة الأشخاص المهاجرين.. أم فى مواجهة نفسها؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 10:38 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أمريكا فى مواجهة الأشخاص المهاجرين.. أم فى مواجهة نفسها؟

نشر فى : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 8:35 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 فبراير 2025 - 8:35 م

نشر موقع موقع 180 مقالاً للكاتب سليمان مراد، تناول فيه أن الأمة الأمريكية أمة مهاجرة، وأن الخوف من الأشخاص المهاجرين ليس وليد لحظة ترامب، بل دائمًا ما تستخدم الهجرة كفزاعة من قبل الساسة وغيرهم سعيًا للمصالح الشخصية. أورد الكاتب أيضًا أن معسكر ترامب ينقسم لفئتين، الأولى تحتاج لهؤلاء المهاجرين حتى تستمر أعمالهم (إيلون ماسك مثالاً)، بينما الفئة الثانية تشجع الاعتماد على الكفاءات الوطنية.. نعرض من المقال ما يلى:

 

 


الخوف من الأشخاص المهاجرين ليس بجديد فى تاريخ أمريكا، كان دائمًا من الاستراتيجيات التى استخدمها سياسيّون وغير سياسيّين من أجل زيادة نفوذهم وتأمين مصالحهم أو طلبًا للشهرة. الملفت للانتباه والمثير للاشمئزاز فى الوقت نفسه هو أن معظم الذين تعرّضوا لهذا النوع من الاضطهاد أصبحوا مع الوقت أبواق كره وشائعات بغيضة تجاه الذين جاءوا من بعدهم.
الهجرة إلى أمريكا بدأت كجزء من مشروع استعمارى هدفه الاستيلاء على أراضى الغير واضطّهاد شعوبها الأصلية واستغلال ثرواتها. وبسبب ضخامة جغرافية الولايات المتّحدة وأطماعها الإمبرياليّة، فهى تحتاج دائما إلى دماء جديدة (أى الأشخاص المهاجرين).
ما يحصل الآن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض له سياقه التاريخى وليس أمرًا مفاجئًا.. لذا نشهد حملة إعلامية محمومة لترحيل «المجرمين» الذين دخلوا أمريكا بطرق غير شرعيّة والتضييق على بعض أنواع المهاجرين الشرعيّين (التهديد بسحب الجنسيّة منهم أو عدم تمديد إقامتهم، رفض أو تقليص عدد التأشيرات لطالبى الهجرة أو العمل فى أمريكا… إلخ).
إذا قررنا الخوض فى تفاصيل مجتمع المعارضين للمهاجرين نجده متشعبًا ومعقدًا، بحيث إنه من المستحيل تقسيمه إلى: مع أو ضد. لنأخذ مثلا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامى وغيرهما من الأغنياء المناصرين لترامب، خصوصًا فى عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى، والذين يعتبرون أن مجالاتهم لا يمكن أن تستمرّ وتتطوّر وتنافس من دون المهاجرين والمهاجرات من أصحاب الكفاءات. ونجد مقابل هؤلاء شريحة من الأثرياء الغوغائيين المؤيّدين لترامب، ممن يُطالبون بالتوقّف عن إعطاء تأشيرات عمل معروفة بالـ H1B والاعتماد على الكفاءات المحليّة. الأمر نفسه ينطبق على أصحاب شركات الزراعة العملاقة والمزارعين الكبار ومربيى الماشية والدواجن (وأكثرهم من أنصار ترامب) الذين يعتمدون على العمالة الرخيصة التى يؤمنها المهاجرون غير الشرعيّين، بينما هناك من يريد التخلّص منهم. إذا، داخل معسكر ترامب، نجد خلافًا محمومًا حول التعامل مع قضية الأشخاص المهاجرين.
وليس مستغربًا أنّ موضوع المهاجرين كان من أهمّ الأمور التى شغلت بال الناخبين والناخبات فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتى أدّت إلى فوز ترامب بنسبة أصوات شكّلت هزيمة قاسية للحزب الديموقراطى. والملفت للنظر أنّ 56% من الرجال (من كل الفئات العرقيّة) تحت عمر الـ30 سنة صوّتوا لترامب، وهو أمرٌ غير مسبوق، والسبب الرئيسى لذلك يتعلّق مباشرةً بموضوع الهجرة وتشعّباته (خصوصًا ازدياد نسب البطالة والجريمة التى عادةً ما تُنسب إلى المهاجرين، بغضّ النظر عمّا إذا كان ذلك صحيحا أم لا).
نحن أمام تطور خطير ومقلق فى المجتمع الأمريكى. فمن الأمور التى يطالب بها ترامب وكثير من مناصريه هو عدم إعطاء أطفال المهاجرين أو الزائرين الجنسيّة إذا ما ولدوا فى أمريكا، وسحب الجنسيّة من المجنّسين فى حال ارتكابهم جرائم معينة؛ ولعل بيت القصيد هو فى كيفيّة تعريف «الجرائم» والأعمال التى على أساسها يُصنّف البعض بأنهم أعداء أمريكا. هنا، يُمكن التحايل على التشريعات والقوانين الأمريكية. مثلا؛ حقّ الجنسيّة للأطفال المولودين فى أمريكا مبنى على التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكى (تمّ اعتماده فى 9 يوليو سنة 1868) والذى جاء خصّيصًا لمعالجة رفض الكثير من الولايات إعطاء الجنسيّة للسود وتعطيل حكم المحكمة العليا فى سنة 1857 (المعروف بقضيّة دريد سكوت)، بأنّ السود ليسوا مواطنين أمريكيين ولا يحقّ لهم الحصول على الحماية من الدولة أو القضاء.
إذا، التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكى كان هدفه إنهاء ذلك الغبن. وكون أغلبيّة أعضاء المحكمة العليا الحاليّين مقتنعين بأنّ تفسير الدستور يجب أن يُحصر بنيّة المشرّع وليس بأى عامل آخر، يمكنهم أن يحكموا أنّ نيّة التعديل الرابع عشر هو إعطاء الجنسيّة للسود فقط وأنّه لا ينطبق على غيرهم من المجموعات (وعلينا أن لا ننسى أنّ التحايل على القانون هو فى صلب تصرّف الدول التى تتشدّق بأنّها تتبع القانون).
لكن فى الوقت نفسه، إن صدور قرار من هذا النوع سيصيب المجتمع الأمريكى بمقتل لأنه من دون المهاجرين والمهاجرات ستفقد أمريكا كلّ بريقها وعظمتها، وهذا ليس بخفى على أهل السياسة فيها.
فى الخلاصة، الضجّة التى تُثار فى موضوع الأشخاص المهاجرين ليست بجديدة. هى عبارة عن حلقة أخرى من مسلسل الاستغلال والإذلال الذى يجب على كل من يأتى إلى القارة الأمريكية أن يتجرّعه. لكن هذه المرّة، يُعرض هذا المسلسل على مرأى من العالم بأسره، ويُولّد ردّات فعل ستضرّ بصورة أمريكا وستزيد منسوب الكره لها.. ورب ضارة لأمريكا نافعة للعالم.


النص الأصل:
https://rb.gy/0109fv

التعليقات