سوريا أم صوريا؟ - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 18 يناير 2025 1:01 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

سوريا أم صوريا؟

نشر فى : الجمعة 17 يناير 2025 - 6:20 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يناير 2025 - 6:20 م

حملت التطورات السورية المتعاقبة منذ الثامن من الشهر الماضى، تاريخ سقوط النظام السورى السابق، نقاشات واسعة فى السياسة والاجتماع والتاريخ، من بينها أصل اسم سوريا. هذا إسهام فى النقاش الحاصل والمتشعب حول اسم سوريا وهل هو يونانى أو أنه مشتق من أشورى أو أن أصل التسمية تعود إلى مدينة صور الفينيقية اللبنانية، بعد انقلاب الصاد إلى سين مُخفّفة.
ورد فى مجلة «العرفان» اللبنانية فى عددها الصادر فى 30 أبريل 1909 أن اسم سوريا مشتق من مدينة صور الواقعة فى جنوبى لبنان. ويقول المطران يوسف الدبس (1833-1907) فى كتابه المعروف «تاريخ سوريا الدينى والدنيوى» إن أول من استعمل اسم سوريا، هو المؤرخ الإغريقى، هيرودتس، وتبعه الجغرافى والمؤرخ استرابون، وقد زار هيرودتس مدينة صور، ولما كان الإغريق على علاقة تجارية وثيقة مع المدينة، ويزورونها باستمرار، راحوا يطلقون على أهالى المدينة اسم الصوريين، ومن الصوريين اشتقوا كلمة السوريين، لأن اللغة اليونانية لا تحتوى على حرف «ص»، فاستبدلوه بحرف «س». وبحسب المطران الدبس، فإن كلمة صور مشتقة من كلمة «صر» الفينيقية، ومعناها: الصخر أو السور أو القلعة. وإذا كان الدبس لا يُسقط من قائمة الاحتمالات ما يقوله مؤرخون آخرون من أن اسم سوريا يعود بجذوره إلى آشور، وتم استبدال «الشين» بـ«السين»، للتخفيف، فإنه لا يُرجّح هذا الاحتمال.
ومن أوائل الذين استخدموا اسم سوريا فى القرون الحديثة، البطريرك اسطفان الدويهى (1630 ـ 1704) فى كتابه «تاريخ الأزمنة» إذ يقول: «لما بلغ هرقل ملك الروم، أن دمشق قد أخذت، قطع الأمل من كل بلاد الشام وقال: السلام عليك يا سوريا، وسار إلى القسطنطينية».
إلا أن المفارقة فى كتاب الدويهى تكمن حين يسرد واقعة عسكرية جرت بين مدينتى صيدا وبيروت فيقول: «فيما كان نزول الفرنج على الدامور بين صيدا وبيروت، وهناك قُتل فخرالدين عبد الحميد ابن جمال الدين، حجى التنوخى من أمراء الغرب، وأسروا أخاه شمس الدين عبد الله، فاشتراه ناصر الدين حسين ابن خضر بثلاثة آلاف دينار صورية» -ويقصد سورية- مثلما يشرح محقق الكتاب الآباتى بطرس فهد، الأمر الذى يعود أدراجه إلى اشتقاق سوريا من صور، كما ورد آنفا فى كتاب المطران الدبس.
ولا يبتعد العلامة محمد كرد على (1876ـ 1953) فى موسوعته «خطط الشام» عن التفسيرات الجذورية السابقة لاسم سوريا، ففى الجزء الأول من الموسوعة يشير، حينا، إلى أن «سورية اسم غلب إطلاقه على القطر الشامى خلال عهد الإسكندر»، مع تخفيفه من اسم أشورى لغلبة الأشوريين عليه، وفى حين آخر يقول: «وقيل إن سبب تسميته بسورية نسبة لصور ثغر الشام القديم، ومخرج الصاد والسين واحد».
ويقول ديونسيوس التلمحرى السريانى (818ـ 845) فى «تاريخ الأزمان»: «فى عام 692، أجرى عبد الملك (بن مروان) تعديلاً فى سوريا، فقد أصدر قانونا صارما ينص على أن يلحق كل فرد ببلدته أو قريته أو مسقط رأسه ويسجل اسمه واسم أبيه، وكذلك كرومه وزيتونه وثروته وعدد أولاده وكل ما يملك، كان هذا بداية الجزية المفروضة على رؤوس الأفراد»، وكذلك قوله إن الخليفة الأموى يزيد بن عبد الملك، أصدر مرسوما قاسيا يأمر بموجبه بقتل الكلاب البيضاء والحمام الأبيض والديوك البيضاء والقضاء على كل الرجال الشقر، كما أمر أيضا ألا تؤخذ شهادة سورى ضد عربى، وحدّد فدية العربى بإثنى عشر ألف دينار والسورى بستة آلاف.
• • •
وبين الاتجاه العام للمصادر والمراجع العربية باستخدام الشام، وبين المراجع والمصادر السريانية واليونانية باستخدام سوريا، يقف ابن عساكر (1106ـ 1176) فى منتصف الطريق، وهو على الرغم من استخدامه الشام إلا أنه يقول: «وقال بعض الرواة إن اسم الشام الأول كان سوريا»، وهذا ما يذهب إليه أو ما يقاربه ياقوت الحموى (1177ـ 1229) فى «معجم البلدان»، غير أن ما ذهب إليه إبن عساكر وياقوت الحموى، يثير جدلاً علميا وتاريخيا، حول أن تكون بلاد الشام هى الاسم الثانى لسوريا، فقبل سوريا، وبصرف النظر عن جذرها الصورى أو الآشورى، أطلقت المدونات المقدسة القديمة، على المنطقة المذكورة اسم، أرض آرام، وأرض كنعان.
وواقع التاريخ لا ينفى احتمال وجود سابق لبلدة أو مدينة اسمها سوريا، ومن دون أن يلحق مس أو انتقاص من سوريا التاريخية، فياقوت الحموى فى «معجم البلدان»، يقول هو الآخر: «سوريا موضع فى الشام بين خناصرة وسلمية».
ولو اقتربنا قليلاً نحو القرن الخامس عشر الميلادى، وتم التقليب فى كتاب «تاريخ بيروت» لصالح بن يحى (نحو العام 1445) لعثرنا على اسم الشام مرات عدة، ويغيب عن الكتاب ذكر سوريا. وعلى ما يبدو أن هذا النحو الشامي، شكّل المسار التاريخى للمؤلفين والمؤرخين والأعلام العرب أو المستعربين تاريخيا، ومن ضمنهم أبو الحسن المسعودى (895 ـ 957) وكتابه «مروج الذهب ومعادن الجوهر»؛ حيث الوفرة غير المحصورة باستخدام الشام وبلاد الشام والثغور الشامية والساحل الشامى، وكذلك أبو جعفر الطبرى (839 – 923 م) فى «تاريخ الرسل والملوك».

توفيق شومان
موقع 180
النص الأصلي
https://tinyurl.com/3r7t9jrj

التعليقات