مازلت عند رأيى فى أن المعركة بين الأطباء والدولة معركة وهمية، فالواقع أن الحدود واضحة والتشخيص لا لبس فيه، إنما هى بالفعل أزمة ثقة ساهم فيها الإعلام ربما عن دون قصد أو دراية.
التلويح بحبس الأطباء سواء كان ذلك احتياطيا أو حكما قضائيا لم يكن فى الواقع ليخيفنى أو يدفعنى للتخلى عن مهنتى ورسالتى، فنحن جزء من عالم عاش كل تلك التجارب وسن لها القوانين التى تنظم العلاقة بين المريض والطبيب فى ظل دولة لها حكومة تطبق القوانين العادلة على المواطنين جميعهم على حد سواء.
لم يكن بالفعل يخيفنى بداية لأننى لا أتصور أن هناك قانونا جنائيا يمكن أن يطبق على طبيب رسالته السعى والاجتهاد. كنت على يقين من أن مشروع القانون وإن وافق عليه مجلس الشيوخ بالإجماع إلا أن فرصة مناقشته فى مجلس النواب بحضور ممثلى النقابة والشخصيات العامة المستنيرة كانت تحمل أملا فى صدور قانون للمسئولية الطبية عادلا متوازنا يدعم عمل الأطباء ورسالتهم ويحقق للمرضى كل ما يمكن أن يساندهم من حقوق لدى الدولة والأطباء معا.
لم يخطر ببالى للحظة أن قانون المسئولية الطبية قانون لفض النزاعات بين الأطباء والمرضى، ولا أظن هذا الخاطر قد مر بذهن أى زميل من زملاء المهنة، إنما كان الجميع فى جانب واحد يعملون لهدف واحد.
صادف تأجيل الجمعية العمومية للأطباء فى نفسى قبولا، فليس من الحكمة أن تتخذ القرارات فى أوقات الاحتقان أو اشتعال الأزمات وقد كانت الأمور بالفعل قد بلغت أوجها، لكنى بالطبع لا أحبذ أن يطول بنا الأمر أو يستبد بنا التأجيل، علينا أن نلتزم بالمدة المحددة وأن يعاود الأطباء حماسهم للاجتماع فى جمعية عمومية يعلن جدول أعمالها مسبقا لا تقتصر على مناقشة عناصر مشروع قانون المساءلة أو المسئولية الطبية، بل يجب أن تشمل مناقشة كل مشكلات الأطباء وما يهدد مستقبل المهنة ودور المؤسسات الطبية الحكومية والخاصة فى تقديم أفضل مستوى من الخدمة والرعاية الطبية للإنسان المصرى.
تظل الرعاية الطبية التى تقدمها المؤسسات الخاصة محل نقاش بين الأطباء أنفسهم: ما يظهر من المشكلة كقمة جبل الجليد التى تراها العين طافية على سطح المحيط. لذا فالوقت ملائم تماما للاهتمام بكل التفاصيل.
الاهتمام بموضوعات مهمة تدعم عمل الأطباء وتساهم فى جعل برامج التأمين الصحى أكثر فاعلية وأقل تكلفة على المواطن والدولة، حماية الأطباء وتوفير بنية آمنة لهم فى مؤسسات الدولة، الاهتمام ببرامج التدريب والتخصص ومشروعات قومية لحماية الأسرة وتنظيم الإنجاب إلى جانب الاهتمام ببرامج الصحة النفسية ومقاومة الظواهر الجديدة بين أطفال المدارس كالتنمر.
أتمنى لو ضم جدول أعمال تلك الجمعية التى دون شك ستكون- بلا مبالغة- تاريخية موضوعات بالفعل تدعم رسالة الطب والأطباء فى مصر لا أن تقف عن حدود تفاصيل معارك وهمية تدور سجالا والكل فيها خاسر.
يجب أن يتغير أسلوب الحوار بين الحكومة والأطباء فلا تهديد ولا استعراضات للقوة ولا فرض آراء وقوانين إلا بعد مناقشتها وصياغتها بصورة مشتركة بين الأطباء والحكومة فالهدف الأسمى للجميع هو استقرار الوطن ودعم الخدمات فى مؤسساته الحكومية.
أشعر بتفاؤل وأنتظر جدول أعمال الجمعية العمومية القادمة التى أتمنى أيضا ألا تغفل دور المجتمع المدنى الذى كان دائما سندا قويا للأطباء فى معارك حقيقية ربما كان آخرها تلك التى عاشها العالم ونحن أثناء جائحة كوفيد ١٩، وكان للأطباء فيها دور عظيم نال تقدير الوطن وكل المواطنين.
أثبت الأطباء بالفعل أنهم ذو همة وأصحاب رسالة فى وقت الشدة. كان دورا وطنيا يستحق أن يقابل بعرفان من الدولة ورغبة حقيقية فى دعم مستقبل الطب والأطباء فى مصر.