هزيمة أم انتصار في غزة؟ - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
السبت 18 يناير 2025 1:03 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

هزيمة أم انتصار في غزة؟

نشر فى : الجمعة 17 يناير 2025 - 6:25 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يناير 2025 - 6:25 م

‎يستكثر البعض على الشعب الفلسطينى، الابتهاج والفرحة بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، بل ويعتبره هزيمة مدوية لقضيتهم، وليس انتصارا حقيقيا لثباتهم وصمودهم الأسطورى على مدى 15 شهرا أمام آلة الدمار الصهيونية، وفى ظل تواطؤ غربى مفضوح وتخاذل عربى غير مسبوق.
‎هذا الجدل بشأن توصيف ذلك الاتفاق، يبعدنا كثيرا عما هو أهم، ونعنى بذلك التدقيق والتركيز على جوهره ومضمونه، والمراجعة المتأنية والهادئة لبنوده وتفاصيله، حتى نستطيع بلورة صورة واضحة وشاملة عنه، تمكننا من تحديد ما إذا كان فعلا مجرد هزيمة للفلسطينيين تشبه هزائمهم ونكساتهم السابقة، أم أنه انتصار فى جولة من جولات الصراع مع المحتل الصهيونى والممتدة منذ عقود كثيرة مضت من أجل الحصول على حقوقهم المشروعة فى التحرر وإقامة دولتهم المستقلة.
‎فاتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، والذى تم بجهود مصرية وقطرية وأمريكية، يتضمن انسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وكذلك من محورى نتساريم وفيلادليفا، وفتح معبر رفح بشكل كامل، وعودة النازحين الفلسطينيين إلى مناطق سكنهم فى شمال وجنوب القطاع، والإفراج عن ألف أسير فلسطينى بينهم نساء وأطفال دون سن التاسعة عشرة، وإطلاق 33 أسيرًا إسرائيليا بينهم أحياء وجثامين، ووقف الطلعات الجوية الإسرائيلية إلى نحو عشر ساعات يوميا، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة فى القطاع، وإدخال 600 شاحنة مساعدات يوميا، وكذلك إعادة تأهيل المستشفيات.
‎هذه البنود التى نص عليها الاتفاق، لا يمكن بأى حال من الأحوال وصفها بالهزيمة، بل يجب النظر إليها على أنها انتصار حقيقى لإرادة وصمود الفلسطينيين فى وجه حرب الإبادة الصهيونية، التى تسببت فى سقوط أكثر من 150 ألف فلسطينى ما بين شهيد ومصاب، وتدمير شبه كامل لكل مظاهر الحياة فى قطاع غزة.
‎هذا الاتفاق يعد انتصارا حقيقيا للفلسطينيين، الذين تمسكوا بأرضهم وتصدوا بصدور عارية لكل خطط التهجير التى كانت تستهدف توطينهم فى دول الجوار، كما أنه فى الوقت ذاته، يشكل هزيمة واضحة للكيان الصهيونى، الذى لم يتمكن من تحقيق أهدافه فى القضاء على المقاومة وتحرير أسراه بالقوة العسكرية، أو البقاء فى محورى نتساريم وفيلادليفا، وهى الخطوط الحمراء التى تشبث بها رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو منذ بدء العدوان على قطاع غزة فى أكتوبر من العام قبل الماضى، وأعتبر التراجع أو التخلى عنها بمثابة تهديد واضح وصريح للأمن القومى للدولة العبرية!!.
‎صحيح أن الفلسطينيين تألموا كثيرا وقدموا تضحيات هائلة منذ «طوفان السابع من أكتوبر 2023»، لكنهم فى المقابل حموا قضيتهم التى كانت على وشك الاندثار تماما جراء مشاريع التطبيع التى راجت فى المنطقة، وعدم وجود أى أفق للتسوية أو فرصة للتحرك نحو حصولهم على حقوقهم المشروعة فى إقامة دولة مستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية التى تكتظ بها أدراج هيئة الأمم المتحدة.
‎ليس هذا فقط، بل إن صمودهم فى وجه هذا المحتل الصهيونى المدعوم أمريكيا وغربيا، حرك التعاطف الشعبى على المستوى الدولى مع قضيتهم العادلة والمنسية، وكشف لكثير من شعوب العالم عن بشاعة الوجه القبيح للمحتل الصهيونى، الذى فاقت جرائمه كل الحدود التى يمكن تصورها أو تخيلها، وهو ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، لارتكابهما جرائم حرب فى غزة، منها التجويع والجرائم ضد الإنسانية المتمثلة فى القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية.
‎إذن محاولة البعض التقليل من حجم انتصار الفلسطينيين فى هذه الجولة من جولات الصراع مع المحتل الصهيونى، عبر التركيز على حجم التضحيات التى قدموها سواء فى الأرواح أو الممتلكات، لا تبدو صحيحة تماما أو حتى منصفة.. فالشعوب لا تحصل على حريتها وحقوقها واستقلالها سوى بالمقاومة والكفاح والتضحيات، و«طوفان الأقصى» قابل للتكرار على يد أجيال قادمة من الفلسطينيين حتى يتحقق حلمهم فى التحرر والعودة.

التعليقات